لطالما حظيت تصريحات وخطابات جلالة الملك عبد الله الثاني باهتمام مختلف الدوائر المؤثرة في صنع القرار الدولي، والأميركي تحديدا. ومن هنا جاء حرص معهد بروكنجز، والذي يعد من أهم المؤسسات العالمية في أبحاث ودراسات السياسة العامة، ومقره واشنطن، على دعوة جلالته للمشاركة في المؤتمر الدولي، الذي استضافه المعهد افتراضيا مؤخرا، بعنوان: “الشرق الأوسط والإدارة الأميركية الجديدة”. وهذه ليست المرة الأولى التي يشارك فيها جلالته في فعاليات المعهد، صاحب المصداقية العالية، والذي يهتم بطرح أفكار وإدارة نقاشات معمقة، وصولا إلى حلول مقترحة للمشاكل التي تواجه العالم، حيث كان جلالة الملك المتحدث الرئيسي في حفل إطلاق مركز سياسات الشرق الأوسط التابع للمعهد العام 2002.
إلا أن الأهمية الاستثنائية للمشاركة الأخيرة لجلالته تكمن في أنها تأتي والإدارة الديمقراطية في الولايات المتحدة تتدارس أوراقها وأولوياتها السياسية في الشرق الأوسط، وبالتالي فقد شكل خطاب جلالة الملك نافذة استراتيجية لإيصال مواقف الأردن من مختلف القضايا في المنطقة إلى صناع القرار في الإدارة الأميركية الجديدة، والتي يحظى معظم أركانها بعلاقات وطيدة مع كبرى معاهد الأبحاث والدراسات الأميركية، والتي لديها بدورها القدرة على التأثير في نظرتهم وتعاملهم مع قضايا العالم.
هذا مع الإشارة إلى أن خطاب جلالته في معهد بروكنجز حمل أيضا وبقوة مواقف الأردن لمختلف وسائل الإعلام الأميركية، والتي من المتوقع أن تستند إلى تفاصيله عند تفاعلها مع قضايا الشرق الأوسط، ما سيصب بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في أخذ المواقف الأردنية بالحسبان نقاشا وتحليلا.
ما تقدم سيقودنا للبناء على وجهة نظر كثير من المحللين لدور أردني أكبر في قضايا المنطقة خلال المرحلة المقبلة، خصوصا عندما يتعلق الأمر بحل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، والذي يتوافق موقف المملكة تجاهه مع موقف الإدارة الأميركية الحالية المستند إلى حل الدولتين. هذا مع الأخذ بعين الاعتبار قضايا عديدة جاءت في خطاب جلالته لتشكل أرضية مشتركة للتعاون الأردني الأميركي مستقبلا، ومنها، مثالا لا حصرا، قضايا محاربة الإرهاب والتطرف، والذي يعد أمرا حيويا للأردن، خصوصا عند الحديث عن مخاطر تطورات الأوضاع، بين مد وجزر، على الساحة السورية شمالا.
وما سيسهم في تناغم أردني أميركي أكبر هو البعد الأوروبي المساند، بمعنى أن الرئيس الأميركي جو بايدن لا ينتهج عقلية المقاربة الأحادية لقضايا الشرق الأوسط، كما كان يؤمن به ويمارسه سلفه الجمهوري الرئيس دونالد ترامب، بل سيسعى لتعزيز التفاهمات الأميركية حول شتى القضايا الإقليمية مع حلفاء الولايات المتحدة في عواصم الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى بريطانيا بطبيعة الحال، وهي الدول التي تنسجم مواقفها في قضايا كثيرة مع الأردن، ومنها حتمية تحقيق السلام العادل والشامل على أساس قيام الدولة الفلسطينية المستقلة لتعيش جنبا إلى جنب مع إسرائيل.
لعل الملخص الأقوى لطبيعة التعاون الأردني الأميركي في المستقبل القريب، هو ما اختتم به جلالة الملك خطابه في معهد بروكنجز بالقول: “حان وقت العمل على حل النزاعات بدلا من إدارتها، والتركيز على الهدف النهائي، بدلا من فقدان البوصلة في حيثيات العملية”. وهذا ما على الإدارة الأميركية الحالية إدراكه، إذا ما أرادت أن تنجح فيما فشل فيه من سبقها.
صحيح أن المخاطر كبيرة في الشرق الأوسط، وهذا ما يشغل بال الإدارة الأميركية الجديدة وحساباتها، لكنه وكما قال شاعر الإنجليزية الأول وليام شكسبير: “من بين أشواك الخطر، نقطف زهور السلامة”.