كعادتها، خرجت اللجنة الماليّة والاقتصادية في مجلس الأعيان بتقرير نوعي فيما يتعلق بالموازنة العامة يختلف في مضمونه وهيكله عن نظيره في ماليّة النوّاب.
تقرير الأعيان يشكّل وثيقة اقتصاديّة شاملة تتناول كُلّ القطاعات الاقتصاديّة والمؤشرات الماليّة والجزئية للاقتصاد الوطنيّ، ويمتاز بسقف عال في تناول التحديات التي تحيط بالاقتصاد الوطنيّ، ويقترب أكثر للحلول الواقعية.
التحديات الاقتصاديّة الساخنة التي تلقي بظلالها القاتمة على الاقتصاد الوطنيّ كانت عناوين رئيسة لرصد تقرير الأعيان، من مديونية وضعف النُمُوّ وتراجعه وتأثر الاقتصاد بتداعيات جائحة كورونا ومدى العمق السلبيّ للوباء على القطاعات المختلفة، وغيرها من عشرات التحديات التي تم تشخيصها بشكل علمي ودقيق.
توصيات التقرير كانت شاملة وكلّية للاقتصاد الوطنيّ، من السياسة الماليّة إلى النقدية، إلى حيثيات القطاعات الجزئية والكُلّية، وتناول أداء القطاعين الخاص والعام والمطلوب من كليهما لتعزيز الشراكة بينهما فعلاً لا قولاً، والوصول إلى الهدف المنشود نحو الخروج من حالة الانكماش الاقتصاديّ إلى حالة النموّ الإيجابي.
اللجنة رأت ضرورة خروج الحكومة بخطة اقتصاديّة وطنيّة شاملة للتعافي، تغطي المرحلة المقبلة، وتتناول فيها آليات واضحة لتعديل حزم تشريعات وإجراءات للنهوض الاقتصاديّ، وإعادة تبويب سلوكيات ماليّة مثل النفقات الرأسمالية والنظرة المستقبلية للدين وكيفية توجيه القروض نحو المشاريع الإنتاجية الاستثماريّة، وإعادة تأسيس اقتصادي للمنظومة الماليّة المهمة تبدأ في الموازنة العامة التي تؤسس لحجر الزاوية نحو تعزيز الإصلاح الاقتصاديّ المنشود.
ملف الاستثمار وتحدياته البيروقراطية كان له نصيب وافر من تقرير ماليّة الأعيان، حيث وضع أصبعه على مواطن الخلل في العملية الاستثماريّة من تعقيدات بيروقراطية وتعدد في التوجيهات وضعف في الصلاحيات مع تضاربها بين جهات مختلفة تدعي كُلّ منها أنها صاحبة الاختصاص.
توصيات ماليّة الأعيان من استراتيجية طويلة الأمد لإدارة الدين العام، وخطة عملية على مدى عشر سنوات لإعادة التوازن إلى العبء الضريبي مع إعداد خطة خمسية تهدف إلى تعزيز الاعتماد على الذات والتوسّع والإسراع في تنفيذ مشاريع الشراكة ما بين القطاعين العام والخاص وإيجاد الآليات المناسبة لتوجيه الشراكات من أجل تنفيذ المشاريع الكبرى، وهنا دعا الصندوق الحكومة لإعادة النظر في سياسة الإعفاءات والحوافز للمشاريع الاستثماريّة وربطها بالقيمة المضافة للاقتصاد الوطني، كلها ملاحظات تصب باتجاه هدف رئيسي يعالج مشكلتي الفقر والبطالة من خلال إعادة التشغيل وتطوير آليات النُمُوّ الرقابي بالشراكة مع القطاع الخاص، مع الاستمرار والتسريع في آن واحد لإعادة هيكلة القطاع العام.
أكبر تحد أمام تقرير ماليّة الأعيان هو في آليات تطبيقه من قبل الحكومة، وهذا ليس بالتحدي الجديد، فالتقارير السابقة كان نصيب الكثير من توصياتها توضع على الرف رغم واقعية تنفيذها، لذلك كُلّ ما على الأعيان هذه المرّة هو الخروج بتفكير خارج الصندوق التقليدي لكيفية متابعة تنفيذ هذه التوصيات المهمة من قبل السلطة التنفيذيّة، وهنا يكمن التحدي.