التزام الأفراد بإجراءات التباعد الجسدي ووضع الكمامة على أهميته القصوى لايبدو كافيا للحد من انتشار فيروس كورونا، خاصة السلالات المتحورة منه، التي تعد أسرع انتشارا من نسخته الأولى.
لو كان الالتزام وحده كافيا لما اضطرت دول أكثر صرامة منا في تطبيق القوانين، إلى اللجوء لتدابير الإغلاق وحظر التجول الليلي.
السلطات الفرنسية على وشك اتخاذ قرار بإغلاق العاصمة باريس من جديد بعد تسجيل زيادة ملحوظة بعدد الاصابات. حكومة نيوزلندا التي سجلت صفر إصابات لأسابيع طويلة، أغلقت بالأمس كبرى مدنها بعد تفشي السلالة البريطانية. ودول أوروبا عموما لم تخرج بعد من مرحلة الإغلاقات.
البلدان: فرنسا ونيوزلندا، يملكان قدرة على الوصول للقاحات بشكل أكبر من دولنا، وبرنامج التطعيم يسير لديهما بخطى حثيثة، ومع ذلك لم يجدا بديلا عن الإغلاق في هذه المرحلة للحد من الاصابات، لحين شمول أوسع شريحة ممكنة باللقاحات.
مع دخول العالم موجات جديدة من التفشي الوبائي، ليس ثمة فرصة للعودة لحياة طبيعية إلا بتقديم اللقاحات لأكبر عدد ممكن من السكان.
من الواضح أن نصيب بلداننا من اللقاحات قليل وشحيح، ويتطلب الأمر عدة أشهر لتأمين ثلث السكان على الأقل بالجرعتين الأولى الثانية. الحديث عن أن إصابة أكثر من مليون أردني تمنحهم مناعة مجتمعية غير دقيق، لأن من أصيبوا قبل أشهر بالفيروس فقدوا مناعاتهم، وقد بدأنا بالفعل تسجيل إصابات في أوساط من سبق لهم أن أصيبوا بالفيروس سابقا.
وفي حالة المصاب السابق أو من تلقى التطعيم، ليس هناك ما يحول دون حملهم الفيروس دون ظهور أعراض عليهم، ونقله للآخرين على نحو شديد الخطورة.
لسنا أطباء، لكن تجربتنا الطويلة مع الأزمة وماتوفر من معلومات علمية للجميع يجعلنا قادرين على توقع المسار. في الأوقات التي تم فيها فرض حظر التجول ليوم واحد”ليس شرطا أن يكون الجمعة” وتقليص ساعات التجول ليلا انخفض معدل الاصابات في الأردن.
المعادلة بسيطة ولاتحتاج لعلماء لإثباتها، فكلما خفضنا ساعات التواصل الاجتماعي، تقل فرص انتقال الفيروس بين الناس.
الحظر مكلف اقتصاديا، هذا صحيح، لكن حظر يوم العطلة” الجمعة” أقل كلفة بكثير من باقي الأيام، وهذه بديهية أيضا لاتستدعي نقاشا طويلا. تقليص ساعات التجول ليلا أقل كلفة أيضا من أوقات الذروة حيث تعمل القطاعات كافة.
ينبغي الإقرار هنا أن أكثر القطاعات تضررا بدرجة نسبية من القرارات الأخيرة، قطاع المطاعم. القطاع يخسر بالحظر عمل لمدة ساعتين تقريبا، وهو يعاني أصلا منذ بداية الأزمة، ليس في الأردن فحسب بل في سائر دول العالم.
بالنسبة لعموم المواطنين من موظفين في القطاعين العام والخاص، كالمصانع لا يوجد أي ضرر اقتصادي، أما القطاعات التجارية كمحلات البقالة والمواد الغذائية، فهي تعوض خسائر مبيعات يوم الجمعة بعمل اليوم السابق واللاحق لحظر الجمعة.
يتطلب الأمر من الحكومة إجراء دراسة دقيقة وتفصيلية وموضوعية لتحديد الفئات المتضررة من الحظر بدقة، وتوفير سبل تعويضها قدر المستطاع.
في تجربتنا الأولى مع الفيروس لم نكن نملك القدرة على التنبؤ بمسار المنحى الوبائي بالدقة الكافية، حاليا توفرت لنا تلك الإمكانية، وبالأمس أعلن وزير الصحة بوضوح أن المنحى سيستمر في حالة ارتفاع حتى منتصف الشهر المقبل، ثم يبدأ بالاستقرار، قبل أن يتجه للانخفاض منتصف شهر نيسان”أبريل” المقبل. وخلال هذه المدة ربما نسجل معدلات وفاة أعلى كما هو ظاهر في الإيجازات اليومية للأيام القليلة الماضية.
في المقابل هناك رهان على وصول شحنات أكبر من اللقاحات مع بداية شهر أذار(مارش) ما يساعد في تسريع حملات التطعيم، بالتزامن مع إجراءات الحظر،لنصل مع بدايات الصيف إلى وضع صحي مريح يمكننا من تجاوز الأزمة.
تلك هى المعادلة وليس لدينا خيارات أخرى.