سلسلة في أخر الأسبوع خاطرة
قصة حب بقلم د. ميرفت سرحان
في رحلة البحث عن الأنشطة المتنوعة للأطفال .. هناك ما يسمى بدفتر “ارسم ولون”، وفكرة هذا الدفتر أنه يوجد صورة لحدود رسمة مطبوعة على كل صفحة من صفحاته، تتسم هذه الرسومات بالجمال والدقة في انتاجها .. والمطلوب من الطفل أن يلون هذه الرسومات بنفسه، فيختار اللون المناسب لكل جزء من أجزاء الصورة، وينهي كافة الأجزاء حتى تظهر معالم الرسمة بشكل أجمل .. وهو نشاط مفيد وممتع في ذات الوقت .. ولكن، بعض الأطفال لا يجد المتعة في مثل هذا النوع من الأنشطة .. لذلك فعندما يقع مثل هذا الدفتر في يده، فإن الطفل سيلون الرسمة بطريقة عشوائية .. تتداخل فيها الألوان بلا معالم .. وتتلاشى فيها حدود الرسمة .. ولفرط انفعاله أحيانًا فإنه قد يمزق الدفتر .. والطريف أنه في كثير من الأحيان عندما ينهي تشويه الرسمة فإن والدته لا تنبهه إلى الخطأ الذي ارتكبه .. وربما يجد من يصفق له ويثني على ما قام به .. ولكن، الأكثر غرابة أن والدته قد تتغاضى عن تمزيقه للدفتر ..
ما فعله هذا الطفل بهذه الرسمة يذكرني بقصة الحب التالية:
المشهد الاول: كانا يعملان معًا في مكان واحد .. ومن خلال تكرار تجاذب أطراف الحديث بينهما .. تبادلا نظرات وعبارات الإعجاب .. ثم صرح كل منهما بحبه للآخر .. فقررا الارتباط .. وتزوجا ..
المشهد الثاني: بعد فترة من الزواج .. وعودة كل منهما إلى طبيعته .. بدأت بعض المشاكل الصغيرة بينهما .. وذكرها بحبه لها .. وتجاوزا المشاكل ..
المشهد الثالث: حصل جدال بينهما في حضور العائلة الممتدة .. صرخ في وجهها ووبخها أمام الجميع .. حزنت وسكتت .. غادرا .. راضاها بكلمة: تعرفين كم أحبكِ، لكنني كنت غاضبًا .. سامحته ..
المشهد الرابع: خلاف بينهما في مقر العمل .. أجبرها على تغيير مهنتها التي تحب .. تألمت ورضخت لأمره .. راضاها بكلمة: تعرفين كم أحبك .. لكن، عملنا في مكان واحد سيسبب لنا المشاكل، وهذا أفضل لكلانا .. سامحته ..
المشهد الخامس: خلاف بينهما على أسلوب تربية الأبناء .. أهانها أمام أطفالها .. شعرت بالخيبة .. راضاها بكلمة: تعرفين كم أحبك لكنكِ استفزيتني .. سامحته ..
المشهد الأخير: في العلاقات المتنوعة بين الناس (أب، أم، أخ، أخت، زوج، زوجة، صديق، زميل، رب عمل .. وغيرهم ..) كم شخص منا يسيء للآخر .. ثم يراضيه بحجة حبه له .. ويتغافل عن أنه حتى لو أظهر الآخر له الرضى .. إلا أن هذه الإساءة قد سببت له ألما في القلب .. وجرحًا لا يلتئم مدى الحياة، فتحول إلى خدش أو ندب في الروح وأصبح ملازمًا لها ..
هذا الخدش يشبه ما فعله الطفل الصغير عندما شوه الرسمة .. خرَّب شكلها .. وضيع الغاية والهدف منها .. ومحا وصفها وصورتها ..
لذا فقد كان على الأم أن تشرح للطفل الهدف من الرسمة .. وأهمية المحافظة على الدفتر ..
لا بأس أن يصبح له طريقته الشخصية في التلوين .. ولا يمنع أن يتبع اختياراته الخاصة ..
وأن تكون له رؤيته الذاتية .. فيخرج بطابع يميزه عن غيره ..
لكن، من الضروري أن لا يشوه هذا الطابع الرسمة ..
إن لم يمتزج الحب بالرحمة .. ويتدرج بشتى أشكال التعاطف .. ويعكس الاحترام .. ويلمع بالاحسان .. ويرسم بريشة الكرامة، ويحاط باطار عزة النفس .. فإنه يتحول إلى عواطف نكدة، وأحاسيس تنغص العيش ، وتقيد النفس ..
لذا يجب على المحبوب أن يظهر انزعاجه من هذا القيد، ولا يرضى باستمراره .. ثم أن يحاول جاهدًا فكه والتحرر منه .. وأن يستبدله بسوار يربطه مع من يحب .. لكنه، يزين ولا يقيد ..
أستشهد هنا بهذين البيتين من قصيدة (إرادة الحياة) لأبي القاسم الشابي:
هو الكون حيٌّ يحب الحياة
ويحتقر الميت مهما كبر
فلا الأفق يحضن ميت الطيور
ولا النحل يلثم ميت الزهر