هذا ملف خطير، لا بد ان يتنبه له الأردن، على كل المستويات، فهو ملف يؤثر في الأردن، وفلسطين، وتحديدا في ملف القدس، ويمس حياة الالاف من الأردنيين المقدسيين.
لا اعرف عدد الأردنيين المقدسيين من حملة بطاقات الجسور الصفراء، وهم هنا كل اردني يحمل رقما وطنيا، ويعد مواطنا في الأردن، وفي الوقت ذاته لديه بطاقة جسور صفراء، او إقامة بالقدس، وهؤلاء سهلت لهم الأردن هذه الصيغة، كونهم مواطنين، ولتثبيت صلاتهم بالقدس، لكن اغلبيتهم يعيش هنا في الأردن، ويذهبون فترات الى القدس، ويجمعون بين مواطنتهم الأردنية ومقدسيتهم، بخط متواز لاعتبارات كثيرة جدا.
إسرائيل توظف وباء كورونا لغايات سياسية، اقلها اغلاق المسجد الأقصى لأسابيع متواصلة، مثلا، وهذا مجرد مشهد، لكن المشهد الأخطر يرتبط بمنع دخول الأردنيين المقدسيين عبر الجسور، الى القدس.
بعضهم انتهت إقامة القدس لديه، ولا بد ان يسافر الى القدس من اجل تجديدها، والا سيفقد اقامته، وهذا يعني ان إسرائيل عبر منع الأردنيين المقدسيين من العودة الى القدس، تخطط للتخلص من كثيرين، حين تنتهي اقاماتهم وهم خارج القدس، ولا تسمح لهم بالعودة بذريعة إجراءات كورونا، واغلاق الجسور بوجه هؤلاء.
بالمقابل فإن الأردن الذي يعزز وضع الأردنيين المقدسيين، يجد نفسه امام وضع آخر، فكل اردني مقدسي، يفقد هويته المقدسية، بسبب عدم قدرته على السفر عبر الجسور، سيقوم الأردن لاحقا بسحب رقمه الوطني، وبالتالي لن يعود اردنيا، لان ثنائية الأردني المقدسي الذي يحمل بطاقة جسور صفراء قائمة ومستمرة على أساس ان يحافظ على اقامته المقدسية، وحين تغلق إسرائيل الجسور بوجه هؤلاء، سيفقدون اقاماتهم، وسيقوم الأردن بالتالي بسحب الرقم الوطني، كونه لم يعد حاملا لإقامة القدس، وتحت عنوان يقول ان عدم سحب الرقم الوطني قد يعني التوطين، عبر دفع إسرائيل هذه الكتلة نحو الأردن، بعد سلبها هويتها المقدسية، ونحن هنا امام انسان يدفع الثمن مرتين.
هذا يعني ان هؤلاء سيصبحون بلا أي هوية سياسية، سوف يفقدون هويتهم المقدسية، بسبب عدم التجديد، جراء اغلاق الجسور، ومنع دخول اهل القدس، بقرار إسرائيلي، وسوف يفقدون أيضا بالتالي هويتهم او مواطنتهم الأردنية، والنتيجة اننا امام وضع كارثي.
تم فتح الجسور، قبل يومين، وتم الإعلان عن السماح بالدخول والخروج، لمئات يوميا، من سكان الضفة الغربية فقط، مع استثناء اهل القدس، من هذه الحركة، وبرغم ان عدد المسافرين بالاتجاهين محدود، ومرتبط بترتيبات كثيرة، الا انه تم استثناء الأردنيين المقدسيين من حملة البطاقات الصفراء، أي الأردني الذي لديه إقامة مقدسية، والاستثناء كان إسرائيليا، وليس منعاً اردنيا.
هناك المئات من العالقين هذه الأيام في الأردن، ممن يريدون العودة الى القدس لتجديد اقاماتهم، فتمنعهم إسرائيل، وسوف يفقدون اقاماتهم لاحقا، بما يعني انهم سيفقدون مواطنتهم الأردنية لاحقا، من باب رد الفعل، وهذا امر مؤسف أيضا، لان فقدان الهوية المقدسية، لم يكن قرارا للشخص، بل قرار إسرائيلي بذريعة كورونا، ومنع الدخول.
هذا ملف سياسي، يوجب على الدولة على اعلى المستويات التحرك، ملف يؤثر في حياة اعداد كبيرة من الأردنيين، من حملة بطاقات الجسور الصفراء، ولا بد من التدخل من اجل السماح لهؤلاء بالسفر، وعدم فتح الجسور فقط، لأهل الضفة الغربية، والضغط على إسرائيل للسماح للأردنيين المقدسيين من حملة البطاقات الصفراء بالسفر والدخول الى القدس، خصوصا، من اجل تجديد اقامات من انتهت اقاماتهم، او على وشك ان تنتهي.
مع كل هذا تأتي المشاكل الفنية التي يتعامل معها هؤلاء في قصة ادخال أبنائهم وبناتهم الى هوياتهم المقدسية، وهي قصة معقدة ثانية، تتعنت فيها إسرائيل، ولا بد ان يعالجها الأردن داخليا بطريقة لا تؤدي الى رد الفعل، بما يمس حياة هؤلاء، كون المنع سببه الجانب الإسرائيلي وليس تهربا من العائلات، او لعدم رغبتها بتسجيل الأبناء والبنات على الاقامات المقدسية.
هذا ملف حساس جدا، يؤذي الأردن، وفلسطين، والقدس، والناس، ولا يجوز السكوت امامه مهما قيل فيه من تبريرات، ولا يجوز أيضا التهاون في كلفته، او نتائجه القريبة.