مبادرة نوعية متميزة تلك التي أنتجت “برنامج رفاق السلاح”، تستحق أن توصف أنها من نوع الأفكار من “خارج الصندوق”، وجدت أصداء إيجابية رفعت من الروح المعنوية ليس فقط للجند والمتقاعدين، بل لكافة أطياف المجتمع التي تعشق الشعار ومن يحملونه من جلالة القائد الأعلى وولي عهده لأصغر مرتبات حملة الشعار. بدأت القصة بتوجيه ملكي عهد به الى ولي العهد، الملازم أول في القوات المسلحة الأردنية الجيش العربي، بضرورة إيجاد آليات واقعية قابلة للتطبيق لمساعدة المتقاعدين العسكريين بما يليق بهم وبتضحياتهم ومكانتهم في المجتمع. بدأت الاجتماعات والتحضير والعمل الكثيف منتجها يتحدث عن جديتها ونوعيتها، وانتهى الأمر ببرنامج دلالاته المعنوية عظيمة ونوعية، وتلك المادية مجزية مهدت لبرامج قادمة تهدف دعم المتقاعدين، وبذات الوقت تستفيد من خبراتهم الواسعة التي اكتسبوها عبر خدمتهم العسكرية لإفادة بلدهم ومجتمعهم.
للبرنامج ميزة أخرى اقتصادية وطنية كبيرة لا تخطئها الأعين، تتمثل في ضخ ما يقرب من نصف مليار دولار بالاقتصاد عن طريق إعطائها للمتقاعدين من ضباط وضباط صف ضمن آليات مختلفة، وهذا من شأنه تحريك عجلة النمو وزيادة معدلاته ما سينعكس على نسب الاستهلاك والبطالة، وقد تكون هذه من أفضل القرارات التنموية التي تساعد الاقتصاد الوطني الذي يعاني جراء العجز والمديونية والجائحة.
استوقفني كثيرا تخصيص مسارب خاصة للمتقاعدين في مؤسسات رسمية ستزداد تباعا، وهي فكرة رائدة ذات أبعاد نبيلة، يؤمل أن يتبعها القطاع الخاص بخطوات شبيهة. في كل مرة يراجع فيها المتقاعدون دوائر رسمية لإنجاز معاملاتهم، أو أن يذهب عموم المواطنين لعمل ذلك، سيرون خط سير لهذه الفئة الكريمة والعظيمة من أبناء الأردن. تخيلوا حجم الفخار والاعتزاز والرضا الذي سيشعر به كل من يرى حجم التقدير الذي منحه الأردن للمتقاعدين العسكريين الذين أفنوا زهرة شبابهم في صفوف التضحية والشرف.
في بلاد العالم العديدة، يعد العسكريون والمتقاعدون عنوانا ورمزا للوطنية والشعور بالانتماء، فقد قدموا التضحية الأكبر وحملوا أرواحهم على أكفهم ذودا عن الأوطان. في الأردن القصة كذلك بل وأعمق بكثير، فالعسكر يحظون بمهابة كبيرة بين الناس، وقد كانوا دوما مثالا للانضباط والتفاني، يمثلون قيم المجتمع وما به من خير، وهم جزء أصيل من باكورة البناء الوطني الشامل، ولهذا كله أصبحوا محط فخر القائد وقرة عينه، فهو منهم وهم منه، يحبهم ويرى فيهم الأردن الذي يفخر به شعبه، نشأ بين صفوفهم صائغا معهم معنى الجندية والانتماء والانضباط والفخار الوطني، يقاتل معهم ويتقدمهم، له ما لهم وعليه ما عليهم. ولي العهد على خطى الملك المعظم وأجداده، ملازم في الجيش العربي، بين الجنود من شتى بقاع الأردن، يعرفهم ويعرفونه، ومن خلالهم يعرف الأردن الكبير العظيم الذي شكل الجيش وما يزال قلعة من قلاع عزه وفخاره، وهذه من علامات مدرسة الهاشميين في الحكم، أن يحكموا من بين الناس ومعهم، يسعون لرفعة الناس والإعلاء من شأنهم وشأن الوطن.