اختار جلالة الملك عبد الله الثاني يوم الوفاء للمتقاعدين العسكريين والمحاربين القدامى للإعلان عن المكرمة الملكية المتمثلة ببرنامج «رفاق السلاح»، والذي عمل على إنجازه بكل تفاصيله سمو ولي العهد الحسين بن عبد الله، وذلك للتأكيد على أن العسكريين عاملين ومتقاعدين دائماً في سلم الأولويات الثابتة في عقل القيادة والدولة، وأن لهم مكانتهم الاستثنائية كما هي لدى الأردنيين الذين ينظرون للجيش بإكبار وتقدير ويشعرون بسعادة كلما قُدم لهم ما يضمن حياة كريمة تليق بهم تقديراً وعرفاناً لتضحياتهم.
شكلت المؤسسة العسكرية منذ قيام الدولة مركزاً لتوليد الخبرات والكفاءات التي لم تكتف بأداء دورها العسكري في بناء جيش ومؤسسات هي الأعرق والأميز في المنطقة من ناحية الانضباطية والكفاءة والريادة والانخراط في العملية التنموية كرفيد لمؤسسات الدولة. فلطالما رفدت المؤسسة العسكرية مؤسسات القطاع العام والخاص بخيرة الكفاءات المؤهلة التي عمل الجيش بتوجيه وإشراف من القيادة على تأهيلها في أفضل الجامعات والمعاهد الأكاديمية والعسكرية. ولعل قصص النجاح والتميز للمتقاعدين في القطاع الطبي والهندسي والأكاديمي والاقتصادي لاحقاً شواهد ساطعة على ذلك.
تضمنت الهدية الملكية التي أعلنت في يوم الوفاء للعسكريين والمحاربين القدامى خمسة محاور أساسية، ثلاثة منها مادية تتعلق بالإسكان العسكري وزيادة منافع صندوق الائتمان العسكري وتوفير نطاق عريض من الخصومات لدى شبكة واسعة من التجار والموردين في القطاع الخاص يستفيد منها العاملون والمتقاعدون بالإضافة لمحورين معنويين يتعلقان بإيجاد مسارب خاصة في الدوائر الحكومية والمطارات تسرع في حصولهم على الخدمات، والعمل على تأهيل وتدريب الافراد العاملين وتزويدهم بالمهارات والمعارف التي تمكنهم بعد التقاعد من الانخراط والعمل في مختلف القطاعات.
يأتي الانعكاس المباشر والسريع لهذا البرنامج من خلال زيادة عدد المستفيدين من الإسكان العسكري بحيث يتمكن بحلول نهاية العام الحالي من انتسب للقوات المسلحة حتى أواخر العام 1993 من الحصول على القرض العسكري. ويستفيد من ذلك 27 ألفا من الضباط وضباط الصف و1100 ضابط من الجيش والأمن العام وبزيادة تصل لنسبة 400 % عن العام السابق. وسيستفيد منه فوراً وخلال شهر 21 ألف منتسب ورصد له مبلغ 438 مليون دينار.
يرتبط المحور الثاني للبرنامج بصندوق الائتمان العسكري والذي سيقوم بمنح المتقاعدين قروضاً تصل بالمرحلة الأولى لسقف 6000 دينار بعمولات رمزية ليتمكن المتقاعد من تأسيس مشروع إنتاجي قابل للتطور وبما يتناسب مع مستوى راتبه التقاعدي.
أما المحور الثالث فيتمثل بمنح المنافع والخصومات للمتقاعدين والعاملين من خلال النافذة التجارية العسكرية «المؤسسة الاستهلاكية العسكرية» وشبكة واسعة من التجار والموردين والاستفادة من برنامج النقاط عند الدفع الكترونياً.
لن تقتصر العوائد المباشرة فقط على العسكريين بل على مجمل نشاط الاقتصاد الوطني. فالمبالغ التي ستصرف هذا العام تقارب نصف مليار دينار أردني، وهو مبلغ كبير سيضخ في وقت يعاني فيه الجميع وخاصة القطاعات الاقتصادية والتجارية من تداعيات جائحة كورونا.
للجند والعسكر مكانة خاصة في الوجدان الوطني، فهم الذين حملوا أرواحهم على أكفهم وذادوا عن حمى الوطن عبر مائة عام من عمر الدولة الأردنية التي تسير بخطى ثابتة مستقرة نحو مئويتها الثانية وشاركوا عبر كل مؤسسات الجيش الرديفة الطبية والتعليمية والاقتصادية في مسيرة التنمية على المستوى الوطني. وتليق بهم هذه المكرمة الملكية التي أعلنت قبل أيام من قبل جلالة الملك وبإشراف مباشر من سمو ولي العهد. ولعل في تسمية البرنامج «رفاق السلاح» أعمق المعاني والدلالات حرصاً ورغبةً في تقديم أقصى ما تسمح به إمكانيات الدولة رغم صعوبة الظروف الاقتصادية والتحديات التي تواجهها.