بالرغم من اشتراك الأردنيين مع اخوانهم العرب في اللغة والدين والكثير من العادات والتقاليد إلا أن لهم خصوصية ثقافية لم تجد نصيبها من الدراسة والتحليل والفهم. فهناك تباين كبير بين القول والفعل وهناك مكابرة وتحد ومنافسة قوية وصامتة بين الأسر والجماعات والعشائر لتحقيق مراتب افضل على السلم الاقتصادي الاجتماعي كما لا يتوانى الآباء في مساعدة الابناء على تجاوز الاوضاع والمعاناة التي مروا بها.
في بلد يفتقر الى الموارد المادية التي ينعم بها الجيران يجد الافراد انفسهم معتمدين على أسرهم وأشكال التنظيمات والبنى التقليدية كالقبيلة والطائفة والجماعة العرقية او الاقليمية الصغيرة وتبذل الأسر جهودا كبيرة في إعداد الافراد للحياة وتهيئتهم لتجاوز المحن والخلاص من الازمات فالدولة غير قادرة على توفير المساكن او تمويل كلف التعليم ودفع نفقات الزواج والإعفاء من القروض كما يحصل في مجتمعات الوفرة الخليجية.
لتحقيق التقدم المنشود وضمان استكمال متطلبات المنافسة والنجاح يبذل الآباء كل ما في وسعهم لتعليم الابناء واكسابهم المهارات والمؤهلات التي تضعهم على عتبات النجاح ويحرص الكثير منهم على أن يحقق الابناء انجازات تفوق ما حصل عليه الآباء والاجداد. من اجل ذلك يراقب الآباء التزام الابناء في المدارس ويحفزونهم لإكمال التعليم في تخصصات ذات مكانة اجتماعية وعوائد اقتصادية افضل.
في الأردن وبالرغم من ضيق ذات اليد وعدم وجود تخطيط عائلي أو مهني إلا أن الجميع منشغل بمشروعات خاصة على مدار العمر. الناس وأيا كانت أوضاعهم يولون تعليم الابناء اهمية خاصة ولا يترددون في الإنفاق عليه باعتباره استثمارا اقتصاديا واجتماعيا ووسيلة للعبور من الاوضاع الراهنة باتجاه الرفاه والمستقبل الافضل.
وبنفس الاهمية والحماس يقبل الجميع على تشييد أو شراء منزل خاص باعتبار الملكية تكسب الفرد شعورا اكبر بالانتماء وتقوي ارتباطه بالمكان والجيرة. ما ان تكتمل هذه المشروعات التأسيسية حتى ينخرط الآباء وبقية أفراد الأسرة بالتهيئة الى ترتيب ارتباط الشباب والشابات بأزواج المستقبل وكفالة استقرار اوضاعهم.
في الأحياء الشعبية والأرياف الأردنية وأينما اتجهت الانظار تجد الفضاء مكتظا بالمباني والهياكل الخرسانية التي كانت وما تزال تحت الانشاء. الاعمدة الاسمنتية او الشمع تبقى مكشوفة وبارزة فوق سطوح المباني إشارة الى ان البناء مستمر والامل موجود ومتجدد.
المدهش بحق ان الكثير ممن يقبلون على مشاريع التعليم والبناء والتزويج لا يملكون المال الكافي ومع ذلك لا يتردد اي منهم في استغلال اول فرصة متاحة للقيام بهذه المشروعات. اشتراك الجميع في هذه الاهداف والسعي المستمر لتحقيقها أكسب الجميع إحساسا بالتشابه ودفع الناس الى التعاطف والتقدير والتفهم لما يقوم به الافراد من جهود لتأمين تعليم الأبناء وبناء بيت للأسرة والسعي لتزويج الأبناء. مهما كانت الاوضاع الاقتصادية والفرص المتاحة والمحتملة فلا يوجد في اذهان الآباء والامهات ما يمنع او يحد من الرغبة في تمكين الابناء من الوصول الى اعلى درجات التعليم والسير في مشروع البناء واستكمال مراسيم تزويج الابناء فهناك اعتقاد شعبي بأن « التعليم والبناء والتزويج مشروعات ميسرة».
في الأردن بقيت هذه الاهداف مهمة فلم تنجح الظروف الصعبة وتدهور الاقتصاد في إلغائها أو تأجيلها. النتيجة الوحيدة زيادة اعداد الاشخاص وارباب وربات الاسر الغارقين في الديون والمطلوبين للمحاكم. الشعار الذي يردده البعض ممن تورط في الاقتراض وعجز عن السداد « عمر مديون ما انشنق» او « نمشي ع ما قدر الله …. واللي كاتبه ربك يصير»
الضيق الذي يواجهه الناس والازمات التي تتفاقم يوما بعد يوم تجعل الناس اكثر قلقا وتشاؤما وخوفا. العبارة الوحيدة التي يحاول فيها الناس مغادرة التفكير لما هم فيه هي عبارة الدعاء بأن «يفرجها الله» او الإقرار بيقين عال بأنها «ستفرج».