واضح أن رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة مصمم على إحداث اختراق غير تقليدي في ملف الاستثمار الجامد منذ سنوات عديدة، فالكُل من الناحية النظرية يتحدث عن ضرورة النهوض فيه، لكن من الناحية العملية لا يوجد تحرك إيجابي ملموس.
الخصاونة بدا واضحاً خلال ترؤسه للمرة الثانية اجتماع مجلس الاستثمار بمعرفته الأكيدة بطبيعة التعقيدات التي تحيط بالعملية الاستثمارية ومزاجية التعاطي مع المستثمرين، وغياب المرجعية المؤسسية للعملية الاستثمارية، لا بل تعدد مرجعياتها وتداخل الصلاحيات في الكثير من الهيئات والوزارات التي تعتقد كُل منها أنها هي صاحبة الولاية الاستثمارية.
النقاط السابقة جعلت الرئيس شخصياً يضع ملف الاستثمار أمامه ويشرف عليه بشكل شخصي ومباشر، ويشترك في النقاش والحلول، ليعطي رسالة واضحة للقائمين على الاستثمار بانه لا يوجد لدينا ترف الوقت للاستمرار بذات النهج التقليدي في التعاطي مع المستثمرين، وانه عازم هذه المرة على إحداث اختراق إيجابي في هذا الملف المعقد والمتشابك، وتجاوز العملية البيروقراطية السلبية بإشرافه المباشر على القرارات الاستثمارية التي من شأنها تحسين التدفقات الاستثمارية للمملكة، وتوظيف صلاحيات مجلس الوزراء صاحب الولاية العامة في الدولة للإسراع في إنجاز حلول عملية لكافة التحديات والعقبات التقليدية المزمنة في الهيكل الرسمي لعملية الاستثمار لحين الانتهاء من إعداد قانون عصري شامل للاستثمار يوحد المرجعيات ويمنح الصلاحيات للنافذة الاستثمارية.
هنا يستوجب من الحكومة وضع خريطة عمل لما ستقوم به في موضوع الاستثمار بأن تبدأ بنهج انفتاحي واسع على المستثمر القائم حاليا، سواء محلياً ام عربياً ام أجنبيا، فجميعهم مستثمرون داخل المملكة، ولديهم اليوم العديد من المشاكل والعقبات التي تحول دون توسعة أنشطتهم واعمالهم الاقتصادية المختلفة والتي زادت في تراكميتها خاصة في ظل كورونا التي ألقت بظلال قاتمة على بيئة الاعمال والاستثمار، مما يتطلب من الحكومة اعطاء عناية خاصة لمشاكل المستثمرين القائمين حاليا، وبشكل يسمح أولا باستمرارية أعمالهم، وتوسعة أنشطتهم ثانيا.
إشراف الرئيس المباشر على ملف الاستثمار يجب ان يكون مصاحباً لتطوير إداري وتشريعي للعملية الاستثمارية، والانتقال بهيئة الاستثمار من دور مشارك في العملية الاستثمارية إلى اللاعب الأساسي والأوحد، من خلال جعل هيئة الاستثمار المرجعية القانونية والمؤسسية للاستثمار قولاً وفعلاً، وإنهاء كُل أشكال الازدواجية والتضارب في الصلاحيات مع مختلف المؤسسات والهيئات التي تتراكض تجاه الاستثمار، مما شكل عائقا حقيقيا في تطوير العملية الاستثمارية في البلاد خلال السنوات الاخيرة.
وهذا الأمر يتطلب سرعة في إنجاز قانون عصري للاستثمار، وتدريب كادر مختص للتعامل مع المستثمرين يملكون صلاحيات كاملة وحقيقية تتجاوز باقي الوزارات والمؤسسات.
تبقى مسألة تحديد أولويات الاستثمار في المرحلة المقبلة، وهذا ما يتطلب من الجهات المعنية إعداد خريطة استثمارية بالفرص الواعدة في المملكة والقطاعات الإنتاجية المختلفة التي تملك ميزة نسبية عالية، تكون قادرة على جذب المستثمرين.
أخيرا مسألة الإعفاءات التي يتطلب من الجميع توحيد الموقف تجاهها من حيث كيفية منحها للمستثمرين، فالتجارب السابقة كانت مريرة ولم تحقق الفائدة للاقتصاد الوطني، وهذا ما يقتضي ان يكون هناك تفاهم واضح ضمن معايير دقيقة تعظم القيمة المضافة لأي مشروع حاصل على إعفاء، فالهدف الأساسي هو خلق فرص عمل وتحسين قوة الاقتصاد من حيث الصادرات وجذب العملات والتكنولوجيا، كُلها عوامل يجب ان تحدد نوعية الإعفاءات او الحوافز الممنوحة، فالأمر بحاجة إلى تبويب.
تطوير الاستثمار يحتاج اليوم الى إرادة حقيقية في الاصلاح، وتفكير خارج الصندوق، فالمشاكل والتحديات واضحة للجميع والكُل متفق على ضرورة الاسرع في العلاج، فهل يحدث الخصاونة بتدخلاته المباشرة ثورة إصلاحية سريعة في الاستثمار؟.