لقاحات كورونا: لا عزاء لفقراء العالم

شكل قرار الاتحاد الأوروبي قبل أيام منع الشركات في الدول الأعضاء المنتجة للقاحات المضادة لفيروس كورونا من تصدير اللقاحات إلى خارج دوله دون ترخيص مسبق منه، قمة الصراع الدولي للحصول على الكميات الكافية من هذه اللقاحات.
وكالعادة فرض التفاوت الكبير بين الدول المختلفة ايقاعه على عمليات التزود باللقاحات لدول قبل غيرها، والحصول على كميات أكبر من غيرها. وهذا يعكس بوضوح غياب العدالة عن النظام الاقتصادي العالمي من جهة، وسيطرة التيارات السياسية اليمينية على عمليات صنع القرار الدولي، والتي تميز بين شعوبها وشعوب الدول الأخرى من جهة أخرى.
لقد أشار العديد من التقارير الصحفية الى أن الدول الغنية وفرت لنفسها جميع الإمدادات العالمية من اللقاحات المضادة لفيروس كورونا، حيث حجزت ما ينتج منها حتى نهاية العام 2021، فيما تواجه غالبية الدول الفقيرة والمتوسطة فترات انتظار طويلة كي تحصل على الجرعات الأولى من اللقاح.
صحيح أن القدرات الإنتاجية للشركات المصنعة للقاحات المضادة للفيروس محدودة أمام الطلب الضخم على اللقاح من مختلف أنحاء العالم، الا أن عدالة توزيعه على الدول الغنية والفقيرة التي طالبت بها منظمة الصحة العالمية، لم تجد نفعا أمام الاختلال الكبير في موازين القوى العالمية، سواء من حيث القدرات المالية أم القدرات التقنية.
منذ بدء الحديث عن انتاج اللقاحات خلال الأشهر الأخير من العام الماضي 2020، تعالت الأصوات وخاصة من منظمة الصحة العالمية والعديد من قادة العالم وخاصة قادة الدول الفقيرة ومتوسطة الدخل لتوزيع اللقاحات على شعوب العالم بشكل عادل.
وطالبت هذه الأطراف، برفع قيود حماية الملكية الفكرية عن هذه اللقاحات، مثلما حدث مع الأدوية الخاصة بمقاومة الفيروس المسبب لفقدان المناعة (الايدز)، الا أن بريطانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عارضت هذا الاقتراح، كخطوة تجاه تأكيد الرؤية غير العادلة في التعامل مع هذا اللقاح.
لمواجهة هذه الازمة قامت منظمة الصحة العالمية ومنذ البداية بإطلاق مبادرة/ تحالف (كوفاكس) لمنع احتكار التزود باللقاحات، وتشجيع التوزيع العادل لها عن طريق التفاوض من أجل أسعار تفضيلية مع شركات الأدوية المنتجة لها، وتزويد كل الدول بالكميات الكافية منها في فرص متساوية للحصول على اللقاحات.
المنافسة الكبيرة التي تجري في الوقت الراهن بين الحكومات للتزود بالكميات الكافية للقاحات فيروس كورنا، وفرص الفوز الكبيرة التي تمتلكها الدول الكبرى والمنتجة له، تنذر بحدوث كوارث صحية كبيرة، ستدفع ثمنها شعوب دول العالم الفقيرة ومتوسطة الدخل، حيث ستحصل الدول الغنية على نصيب الأسد من الكميات المنتجة على حساب الدول الفقيرة ومتوسطة الدخل.
هكذا سياسات ستؤدي بالضرورة الى تعرض ملايين البشر لمخاطر الإصابة بالفيروس، خاصة كبار السن منهم، الى جانب أن محاصرة الفيروس في مناطق جغرافية بعينها، لن يفلح في محاصرة الوباء عالميا.
مواجهة التوزيع غير العادل للقاحات يتطلب من الدول الفقيرة ومتوسطة الدخل العمل معا للضغط على الدول الكبرى بمختلف الأدوات الدبلوماسية لإعادة النظر بهذه التوجهات، والضغط تجاه إزالة قيود حماية الملكية الفكرية عن هذه اللقاحات ليتمكن أكبر قدر ممكن من مصانع الأدوية في العالم من انتاجها بكميات كافية.

أخبار أخرى