إن ذاك الحكم المطلق بالسوء على بعض الأشياء يجعل التفكير فيها بشكل مختلف صعبا جدا ، فالكل مثلاً ينطلق في تعديد مساوىء الطلاق بمجرد تلفظه لتغطي كل تلك المساوىء أي ملمح جمال كان بإمكان الطلاق أن يحملها على صفحة وجهه القميئة ، لهذا تبقى الحياة متاحة دائما لأولئك الذين بإمكانهم النظر إلى الأشياء من زوايا مختلفة.
فبعيداً عن أولئك الذين يطلقون لأتفه الأسباب وأهونها يمكن النظر بطريقة أخرى لأولئك الذين اجتهدوا ما استطاعوا في الحفاظ على ذاك الميثاق الغليظ من التمزق ، طريقة تخرجهم من خانة المغضوب عليهم الضيقة إلى فسحة التفهم الواسعة.
ألم يكن يجدر بنا إبتداءا أن نطرح سؤالاً معينا على أنفسنا ، فلمَ يا ترى ننظر بكل هذا السوء إلى الطلاق والخلع رغم أن من شرعها الحكيم العليم ؟ لابد إذا أن ذاك التشريع يتضمن خلاله شيئا من الخير رغم شره الطاغي ، لكأن الطلاق والخلع تعبير غير صريح في البحث عن الحياة الكريمة المتناغمة فليس مطلوباً منا مجرد العيش فقط ، والمرء حي مع من يهوى ويتوافق لكنه على قيد العيش مع من ينفر ويفترق ، وهذا ليس دعوة لتطليق كل من لم يعبث على خيوط هوانا من أول اليوم فقد جعل الله الطلاق آخر الحلول وأبغضها، فالمرء قد يرى من شريكه ما يسوؤه في البداية لكن العشرة كفيلة برش بعض بهارات الحسن مع الأيام ، فبعض النفوس لا تهب أفضل ما فيها إلا بعد أن تطمئن وتركن ، لكن إذا لم تطمئن النفوس وزاد نفورها رغم إجتهاد أصحابها في تهدئتها منح للإنسان حل آخر يمكن من خلاله بدء الحياة من جديد رغم التمزق الذي قد يحدثه ذاك الحل ، لكن يأبى التمزق في بعض الأحيان أفضل بكثير من حالة الطحن الطويلة حين يستمر الزواج توافق ، فالطلاق تمزق أقصى درجات ألمه لحظته الأولى ثم يخف تدريجيا أما الزواج الضنك فألم يتزايد مع الأيام.
لهذا فإن في الطلاق أو الخلع فرصة أخرى لبدء الحياة من جديد ، بداية سيكون سماد بذرتها رماد التجربة السابقة لتكون أقرب للبدايات الناجحة ، ثم إن الطلاق من زاوية فلسفية يعبر بشكل صريح عن القيمة الجمالية لدى صاحبه ، فالطلاق أو الخلع كأنه تعبير عن عدم توافق ملامح الذوق المرجوة مع صفات الشريك الواقعية فرقي الإنسان يلخصه مدى تمكنه من الإطلاع عل الملامح الجمالية التي يعيش بها ، لينطلق كل بعدها في البحث عن تلك الملامح التي تمكنه من عقد ميثاق طويل الأجل ثم الصبر عليه ، وإنه سبب من أسباب تقدم الأمة أن يكون لكل فرد من أهلها مجموعة من النقاط يبحث عنها في الآخر ليكون الزواج بذلك لقاء بين المتوافقين فتصبح البيوت خلايا لا طفرات في بيوضها ، وما تمام نجاج الزواج إلا في ثلاث: زوجان متوافقان يشكلان بيتا يملؤه الهناء ليلدوا كل سليم.
_