“آية” قصة عنف ضد النساء وراء جدران البيوت

انشغل رواد وسائل التواصل الاجتماعي في الأيام الماضية في متابعة قضية الطالبة الجامعية آية التي تعرضت لعنف أسرى، وأصبح هاشتاج «بنت مستشفى الجامعة» أو «فتاة مستشفى الجامعة الأردنية» ترند يثير الجدل والغضب في المجتمع.
العنف البشع الذي تعرضت له آية ليس الحالة الأولى، وأتمنى أن تكون الأخيرة، ولكن كل المعطيات المجتمعية والقانونية تؤشر إلى أن حلقات العنف ضد النساء والفتيات في الأسرة وخارجها مستمرة ما دمنا نعيد ضخ قيم متخلفة تقلل من مكانة وشأن المرأة في المجتمع، وتعطي حقوقا فوقية للرجال في التحكم في مصائر النساء والأسرة.
قبل أشهر كتبت مقالا خارج الأردن عن أحلام التي قتلت بدم بارد فحركت دعوى قضائية ضدي، طبعا هذه الحادثة لن تدفعني للصمت أو التوقف عن التنديد بالجرائم التي ترتكب في بلادي بحق النساء، وما نسمعه ويخرج للعلن لا يشكل سوى نقطة في بحر الأزمة.
قصة آية تصلح فيلما موجعا يكشف مآسينا وراء جدران البيوت، فالأشقاء بمباركة العائلة أو على الأقل سكوتها استباحوا جسدها عنفا وتنكيلا لأيام، وربطوها بجنازير في الحمام لمزيد من الامتهان، ولولا حالتها الحرجة ربما لبقيت في سجنها تتعرض لمزيد من التعذيب.
نقلت آية إلى مستشفى الجامعة، وأكد الناطق الإعلامي باسم مديرية الأمن العام عامر السرطاوي أن إدارة حماية الأسرة تعاملت مع القضية وتم القبض على شقيقها وإحالته للقضاء والحاكم الإداري»، إلى هنا الأمر طبيعي ومتوقع، والصادم واللافت للانتباه المعلومات التي نشرت أيضا على السوشال ميديا أن الشقيق المعتدي كفل وخرج من التوقيف والسجن، وهو الأمر الذي يكشف الخروق القانونية وهشاشة منظومة الحماية للمرأة والمعنفات داخل الأسرة.
صرخات النساء المظلومات والمغدورات تتشابه وإن اختلفت تفاصيل الروايات والجرائم، وكلهن نتاج هذا القهر الناتج عن سلطة ذكورية مستبدة، أو سلطة اجتماعية غاشمة، أو لفكر ظلامي يوظف أحيانا الخطاب الديني، أو يتكئ على قيم وعادات يدجنها لخدمة نزواته وإرادته المطلقة.
في الأشهر الماضية فقئت عينا فاطمة بوحشية، فماذا فعلنا؟ وقتلت بعدها أحلام، والآن حياة آية معرضة للخطر والحبل على الجرار.
حكومات تعاقبت ولم تقض على ظاهرة العنف المجتمعي ضد النساء، و30 عاما مرت على عودة الحياة البرلمانية ولم يقم النواب بواجبهم بحماية هذه الأرواح، وكلما خرجت المنظمات النسوية ومؤسسات المجتمع المدني للتنديد بهذه الجرائم اعتبروها منفذة لأجندات أجنبية، وطعنوا في أخلاقياتها.
معهد تضامن النساء يؤكد أن تشديد العقوبات على مرتكبي الجرائم ضد النساء والفتيات لن يكون وحده كافيا للحد منها، وضمان عدم الإفلات من العقاب، ما لم تتخذ إجراءات وقائية تمنع حدوثها أساسا».
سلمى النمس الأمين العام للجنة الوطنية للمرأة كتبت على صفحتها على الفيسبوك تعليقا على حادثة آية يقطر وجعا فقالت «فتاة مستشفى الجامعة التي تدمي لها العيون لا زالت معلقة بين الحياة والموت، وما زال أخوها الذي عنفها حرا طليقا لأن أباها ذلك الشخص المفترض أن يكون الصدر الحاني والملجأ كفله».
وطالبت النمس بتوجيه الحملات والكلام للحكومات والبرلمان لسؤالهم ماذا فعلوا وماذا سيفعلون؟
قصة العنف ضد النساء في الأسرة والمجتمع لن تنتهي بين ليلة وضحاها، والمطلوب من الدولة أن تقدم أدلة على إرادة سياسية حاسمة بأنها لن تتساهل مع من يرتكب هذه الجرائم، وأول الخطوات تعديلات تشريعية حازمة ومشددة لا تراعي الضغوط الاجتماعية فتسمح مثلا بإسقاط الحق الشخصي من الأسرة والعائلة فيخرج المجرم متباهيا بعد جريمته وكأنه لم يفعل شيئا، والمطلوب مواقف ورسائل واضحة من السلطة- حكومة وبرلمانا وقضاء- أن هذه القيم والموروث الاجتماعي الذي يسمح بإهانة المرأة، والتقليل من شأنها، ثم التسامح بالاعتداء عليها وتعنيفها لن يجد تأييدا أو تبريرا أو قبولا مهما حدث.
توجد إستراتيجية وطنية للمرأة، طبقيها يا حكومة، وعلى رأس أولوياتها أن تتمتع النساء والفتيات بحياة خالية من كافة أشكال العنف القائم على أساس الجنس، فهل نبدأ بهذه الخطوة على الأقل؟

أخبار أخرى