خطة الحكومة وقراراتها بالفتح المتدرج للقطاعات، إلى جانب الانخفاض الملموس في أعداد الاصابات، عززت الانطباع بأن جائحة كورونا أصبحت خلف ظهورنا.
مناقشات الثقة تحت قبة البرلمان، أظهرت هي الأخرى أن السواد الأعظم من النواب لا يقدرون المخاطر المترتبة على المطالب الملحة بالفتح الشامل والكامل، وحديث الحكومة في بيان الموازنة بأن أرقام السنة المالية بنيت على عدم النية للعودة إلى الإغلاقات المشددة، قيدت خيارات الحكومة المستقبلية في حال تدهور الوضع الوبائي مرة أخرى.
الانتكاسة الوبائية ليست احتمالا مستبعدا أبدا، وكما قلنا من قبل، نهاية العام 2020 لا تعني أبدا نهاية الجائحة. معدل الوفيات والاصابات حول العالم في الوقت الحالي أعلى مما كان عليه في السنة الأولى للجائحة.
دول أوروبا الغربية وروسيا والولايات المتحدة تواجه اوقاتا مخيفة هذه الأيام، والصين عادت لتسجل بعض مدنها الكبرى زيادة ملحوظة في الإصابات. المنطقة العربية من حولنا شبه مغلقة. لبنان مددت الاغلاق، والإمارات العربية المتحدة أكثر الدول العربية تقدما في مجال توزيع المطاعيم، عادت لفرض تدابير مشددة في دبي بعد ارتفاع معدلات الاصابة.
السلالة المتحورة من الفيروس أسرع انتشار وأشد فتكا على ما يؤكد الخبراء في بريطانيا، وبالأمس صرح وزير الصحة البريطاني بأن المطاعيم فعالة بنسبة خمسين بالمائة فقط في حالة السلالة الجديدة من الفيروس.
هنا في الأردن نشهد حالة مشابهة لما كنا عليه في شهر آذار(مارس) من العام الماضي، عدد قليل جدا من الاصابات بالنسخة الأولى من الفيروس سرعان ما تفشت بعد أشهر حتى كدنا أن نفقد السيطرة، وخسرنا آلاف الأرواح العزيزة. النسخة المتحورة من الفيروس تسجل عددا محدودا من الاصابات حاليا في الأردن لكن الانفتاح الشامل دون قيود يعني أن الكارثة في الطريق إلينا.
الحكومة لم تقدم شرحا وافيا بالمخاطر للبرلمان والرأي العام. وزير الصحة وخبراء الأوبئة في الحكومة لم يقدموا أي إحاطة وافية لمجلس النواب الجديد حول احتمالات المستقبل، ومدى خطورة السلالة الجديدة في حال تفشيها، وبدلا من ذلك دخلوا في سباق مع النواب لكسب ود الشارع والقطاعات الاقتصادية المتضررة من الجائحة.
أنا مع خطوات الانفتاح التي أقدمت عليها الحكومة، أو تلك التي تخطط لتطبيقها في الأسابيع المقبلة، لكن ينبغي أن يصاحبها عرض صريح وشامل لتوقعات المستقبل، وربما احتمال العودة لتدابير السلامة المشددة، وهذا ما يهمس فيه مسؤولون كبار في الغرف المغلقة.
اقتراحي في هذا الصدد أن تعقد جلسة مناقشة عامة في البرلمان للوضع الوبائي في الأردن، يقدم فيها وزير الصحة ومعه فريق الخبراء عرضا وافيا للوضع الوبائي مرفقا بشرح عن تجارب الدول التي أقدمت على فتح كامل لقطاعاتها وما عانته لاحقا من السلالة الجديدة.
ومن المناسب في هذا السياق أن يقدم خبراء اختصاص شرحا حول طبيعة السلالات المتحورة من الفيروس وما تمثله من خطر على البشر. كما ينبغي أن يتضمن العرض تقدير موقف دقيق لقدرتنا على تقديم اللقاحات للمواطنين والبرنامج الزمني المحتمل للوصول إلى شريحة واسعة من الشعب. وزير الصحة المتمكن الدكتور نذير عبيدات قال في تصريح صحفي قبل أيام أن الحكومة قد تحتاج لقرابة عام كامل لإنجاز حملة التطعيم ضد كورونا. والمعركة مع كوفيد 19 قد لا تنتهي عند هذا الحد، فقد صرح عضو لجنة الأوبئة والخبير المرموق دكتور عزمي محافظة لقناة المملكة أمس بأننا قد نضطر لأخذ مطعوم كورونا سنويا إذا ما أصبح الفيروس موسميا.
يتعين على الحكومة إذا، أن تضع البرلمان والشعب بالصورة كاملة وتسجل شهادتها رسميا تحت قبة البرلمان حتى لا تلام مستقبلا إذا وقعت الانتكاسة لاسمح الله.
لن يقبل أحد في المستقبل الأعذار، وسيتنكر الكثيرون لمواقفهم الحالية، ويلقون باللائمة على الحكومة في التقصير وعدم توضيح الحقائق كاملة.