التمرد على الشرعية الديمقراطية الذي قاده الرئيس الخاسر في الانتخابات الأميركية دونالد ترامب، شكل ضربة قاصمة لنهج الشعبوية في السياسة العالمية.
لسنوات أربع مضت، كان ترامب القائد الملهم الذي سار على دربه زعماء شعبويون من اليمين في العالم وتمكنوا من الوصول لسدة الحكم.
استمدت الشعبوية قوتها من الانقسام. الخطاب البذيء والعنصري والسلوك عديم الأخلاق صار نهجا مقبولا لا بل ورابحا في الانتخابات.
خسارة ترامب في الانتخابات، أظهرت قدرة الديمقراطية على هزيمة الشعبوية، واستعادة الأغلبية اللازمة لتكريس قيم الإنسانية، لكن خسارة ترامب على أهميتها لم تكن كافية لدحر الشعبوية كنهج عالمي.
اقتحام الكونغرس وهو في حالة انعقاد من قبل أنصار ترامب العنصريين والفوضويين، كان صدمة للعالم، ولحظة مجللة بالعار بالنسبة للقادة الشعبويين من نوعية ترامب.
ليس ثمة شك بأن الشعبويين مثلهم مثل المستبدين، مستعدون للانقضاض على الديمقراطية إذا لم تأت بنتائج لصالحهم. لقد تمكن أمثال ترامب من خداع الناخبين بكونهم يؤمنون بالديمقراطية، لكن بمجرد خسارتهم الانتخابات، أظهروا وجههم الحقيقي المعادي لقيم الديمقراطية والاحتكام لصناديق الاقتراع.
كان ترامب شخصا غريبا على النخبة السياسية والحزبية في الولايات المتحدة، ومثله قيادات صعدت السلم في دول أوروبية وفي أميركا اللاتينية. الشخص القادم من عالم الأعمال المشبوهة وتلفزيون الواقع الرديء والمثقل بتاريخ لا إخلاقي وفضائح اغتصاب وبلطجة، يختطف الحزب المحافظ صاحب التاريخ العريق في السياسة الأميركية ويحظى بترشحه للانتخابات. كانت المقدمات تشير منذ البداية إلى النتائج الكارثية التي شهدناها على مدار أربع سنوات.
لم تكن أميركا والعالم منقسما إلى هذا الحد الذي بلغه في عهد ترامب، لدرجة اعتقد معها كبار المفكرين الأميركيين بأن بلادهم على شفير حرب أهلية ثانية. العالم كله كان يتحسس أطرافه مع كل تصريح لترامب، ويخشى الانزلاق مرة ثانية لحرب كونية بفعل مغامرات الرئيس المختل في البيت الأبيض، تكون بدايتها من إيران.
أسوأ الأشخاص حول ترامب، وكلهم من طينته، لم يصل بهم الجنون إلى الحد الذي بلغه بتحريض أنصاره على محاصرة الكونغرس وإبطال نتائج الانتخابات بالقوة. الرئيس المختل كان ولأسابيع طويلة بعد الانتخابات الرئاسية في حالة إنكار تام للوقائع، لكن مع اقتراب موعد تنصيب جو بايدن، أصيب بالجنون التام، وأصبح مستعدا بدعم من قاعدته العنصرية وأزلامه من أمثال وزير خارجيته إلى الانقلاب على الشرعية للبقاء في السلطة.
فشلت المحاولة، وانتفض حزبه ضده، لأن ما حصل دمر سمعة الجمهوريين، وسيحتاج الحزب لسنوات قبل أن يمحو من ذاكرة العالم صورة المحاولة الانقلابية التي ارتبطت برئيس يمثله.
مع نهاية عهد ترامب يتعين على أمثاله من القادة في العالم أن يراجعوا حساباتهم، فالديمقراطية لن تحتمل الشعبويين بعد الآن.