انتظر العالم بفارغ الصبر نهاية العام 2020 وكأن آخر فيروس كورونا سيقضي معها، لكن الأمر لم يكن كذلك، فقد استهلت شعوب العالم السنة الجديدة بأعلى درجات الإغلاق العام، بعد الانتشار السريع لسلالة جديدة من الفيروس.
نهاية السنة ليست نهاية الفيروس، كان هذا هو الاستخلاص المخيب لآمال ملايين البشر في العالم، خاصة في دول أوروبا والولايات المتحدة، التي عادت لتسجل معدلات مرتفعة من الإصابة، واضطرت لفرض تدابير صحية مشددة، جعلت منها مدن أشباح ليلة رأس السنة.
صحيح أن بدء توزيع لقاح فايزر في عدد من الدول، كان بمثابة بارقة أمل بقرب احتواء الجائحة، لكن العملية ليست بسرعة وسهولة تلقي اللقاح ذاته. وصول اللقاح لمئات الملايين من البشر حول العالم، يتطلب جهودا لوجستية ضخمة تمتد لأشهر طويلة، وربما سنوات، وقد تشهد عمليات التطعيم تسارعا أكثر في حال تمكنت شركات أخرى من طرح منتجاتها في الأسواق في وقت قريب.
وبما أن تحقيق درجة عالية من المناعة ضد الفيروس يتطلب أخذ جرعتين من المطعوم على مدى ثلاثة أسابيع، فذلك يعني أن دورة توزيع اللقاحات تحتاج لقرابة شهر تقريبا قبل أن تحقق غاياتها.
في الأثناء لا تملك البشرية وسائل لاحتواء السلالة الأسرع انتشارا من الفيروس غير تلك التي اعتادت عليها من قبل، أي ارتداء الكمامات، والمحافظة على التباعد الجسدي، وفرض تدابير وقائية أكثر تشددا في حالة تفشي الفيروس.
لايختلف الحال هنا في الأردن عن باقي الدول، وليس أمامنا من خيار سوى انتظار وصول الدفعات الأولى من المطعوم، والالتزام بالإجراءات الصحية المتبعة منذ أشهر. وعلى المدى القصير ليس ثمة أخبار سارة للقطاعات الاقتصادية.
اتخذت الحكومة حزمة من الإجراءات التخفيفية الحذرة، لكن العودة إلى الحياة الطبيعية كما كانت من قبل ليس متاحا بعد، وقد لا يكون ممكنا قبل أشهر الصيف الأولى.
ذلك يعني أن حساباتنا الاقتصادية مرشحة للمراجعة، فليس من المرجح أبدا أن يستعيد قطاع السياحة عافيته في النصف الأول من العام الحالي، ولن يكون السفر متاحا بحرية قبل ذلك التاريخ.
سوق العمل سيواجه مزيدا من الاضطراب، ولن يكون بمقدور الحكومة أو القطاع الخاص إحداث أي فروق جوهرية قبل إنجاز حملة التطعيم لأوسع شريحة اجتماعية ممكنة.
وسيكون لهذه التطورات تداعيات سلبية على موازنة الدولة ومعدلات المديونية والعجز ونسب النمو المتوقعة في العام الحالي. هذه حالة عالمية دون شك، وسننتظر تقارير المنظمات الدولية وتقييماتها المحدثة لآثار الجائحة على الاقتصاد العالمي، ودول المنطقة.
تسطيح المنحى إنجاز مهم يسجل للمواطنين والحكومة، فالالتزام بالقواعد الصحية ساهم إلى حد كبير في خفض أعداد المصابين والوفيات، لكن التساهل في غير وقته سيعيدنا إلى المربع الأول. لقد خضنا من قبل تجربة مريرة، دفعنا بسببها ثمنا باهظا. فقد كنا على وشك السيطرة التامة، ثم حدث ما حدث من تهاون رسمي وشعبي، أدى بنا إلى مواجهة أشرس موجة من الوباء، كادت أن تعصف بنظامنا الصحي، لولا سرعة التحرك من حكومة الخصاونة والخدمات الطبية الملكية.
بالنسبة لجائحة كورونا السنة لم تنته، واليوم الأخير من العام المنصرم مجرد تاريخ لا يعني شيئا لكوفيد 19 وسلالته الجديدة، لا بل ان في الأمر مفارقة مستفزة، فالفيروس المتحور بنسخته المحدثة، اختار بداية العام الجديد ليضرب بقسوة، وكأنه يعلن بداية عهد جديد في العام 2021.