لعله من الأعوام الثقيلة على البشرية، ونحن نغادره بعد ساعات معدودة، والبعض منا يعتقد أنه الأصعب على الإطلاق. فالمصائب توالت، كما يقول شاعر الإنجليزية الأول وليم شكسبير، “مجتمعة لا فُرادى”. صحيح أن مصدرها واحد وهو فيروس كورونا، إلا أن تداعياته الشرسة شملت كل شيء: من السياسة، إلى الاقتصاد، إلى مختلف شؤون المجتمع، الصحية والوقائية منها تحديدا، وحتى تغير النفس البشرية وقلقها في التعاطي مع مفهوم الحياة والموت. والسؤال يبقى: ماذا لنتعلمه من عام مليء بالتفاصيل المرهقة؟ علما أن البشرية، والتي تضاعف عددها خلال الخمسين سنة الماضية فقط، خاضت، وعبر تاريخها الطويل، ابتلاءات أكبر بكثير من فيروس لا يرى بالعين المجردة. وفي هذا موعظة.
لنتعلم أن الحياة مسؤولية يقوم كل واحد منا بواجبه فيها لتكتمل دورتها، بعيدا عن أنانية الفرد، حتى وإن تقيدت حريته، إلى صالح المجتمع ككل. فعندما يصاب أحدنا بالوباء، يصبح من واجبه بل من ثقافته ألا يكترث فقط لينجو بنفسه، بل بمن حوله أيضا، حتى وإن تطلب الأمر بُعده وعزلته عمن يحب.
لنتعلم أن التقيد بالقانون فيه نجاتنا، وهو الناظم للعلاقة بين الفرد والدولة. فرغم جهود الحكومات والكوادر الطبية الحثيثة للتعامل مع تداعيات وباء كورونا على مختلف الجبهات، فقد جاء النجاح في احتواء الوباء فقط عندما التزمنا بأنظمة التباعد الاجتماعي، وارتداء الكمامة، ووقف بعض العادات الاجتماعية التي لا طائل منها، وكثير منها زائف.
لنتعلم أن علينا أن نستعد بخطط وإستراتيجيات مستقبلية، تعتمد أكثر على التكنولوجيا المتقدمة وأنظمة الذكاء الاصطناعي والاتصال عن بعد وبرامج إدارة المخاطر والأزمات، لمواجهة كورونا إن جاء مرة أخرى بأسماء مختلفة. فهذا الوباء سيذهب أدراج الرياح، عاجلا أم آجلا، لكن حربنا ضد عالم الفيروسات لن تنتهي، حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
لنتعلم أن يكون لدينا ترشيد في الإنفاق، وتعزيز في الإنتاج حتى نعتمد على ذاتنا في حلو الأيام ومرها، وأن نستثمر أكثر في تطوير البحث العلمي ومخرجاته لخدمتنا، وفي رفع قدراتنا الطبية والصحية حماية لنا من أمراض قد تتوالد بفعل الفيروسات مستقبلا.
لنتعلم أن الوباء أقوى من الجميع، وأننا فيه سواسية، بغض النظر عن الغنى والفقر والعرق والدين وغير ذلك، ما يقودنا إلى التفكير والتأمل كيف نتراحم فيما بيننا وصولا إلى مجتمع أكثر تكافلا مستقبلا. صحيح أن البعض مارس وما يزال سياسة “أنا ومن بعدي الطوفان”، لكن الإدراك الإنساني قادنا إلى أن الطوفان هذه المرة لم يترك أحدا، وأن السفينة لن ترسو بسلام إلا إذا تعاونا فيما بيننا في أحلك الظروف.
لنتعلم أن نهتم أكثر بنظافة وتعقيم وسلامة محيطنا، ما سيسهم في حماية البيئة، والمحافظة على الأرض مكانا صالحا للعيش والإعمار. لنأخذ غلافنا الجوي مثالا، وكيف تعافى مع توقف المصانع ووسائل النقل برا وبحرا وجوا عن بث سمومها لفترة وجيزة بفعل كورونا، والأمثلة عديدة.
لنتعلم أن نشعر بالامتنان والشكر للنعم التي نعيشها، حتى وإن كانت بسيطة واعتيادية. فقد جاء كورونا ليحرمنا من بعض مسلمات الحياة، ومنها لقاء الأحبة والأصدقاء، إلى السفر والتنقل في رحاب المعمورة، إلى غير ذلك.
لنتعلم أن دوام الحال من المحال. وأن الزمن يمضي بحلوه ومره، لكي تكون لنا عبرة نصحح عبرها أخطاءنا، ونغفر زلات غيرنا، ونتصالح مع أنفسنا ومع من حولنا، فما يجمعنا أكثر مما يفرقنا بشرا نحمل الأمانة على هذا الكوكب، الضئيل نسبيا في مجموعته الشمسية، التي لا يكاد حجمها يذكر في مجرتها.
ليلتقط كل منا قلمه ويكتب: ماذا لنتعلمه؟ وسنصل إلى أجوبة نحمد الله بعدها على حالنا، وندعوه أن يكون العام الجديد أكثر أمانا لنا جميعا. ولعل كورونا، مع سوء طبيعته وعجيب تحوره الذي لا نعرف مداه حتى اللحظة، يشكل مدخلا لإيقاذ روحنا الإنسانية التي طحنتها ماديات الحياة، لنصل إلى تغيير إيجابي، والأهم حقيقي في حياتنا. لنتعلم معًا.