المنطوق الرسمي يتحدث عن سبعين الف شخص فقط، سجلوا لتلقي لقاح كورونا الأميركي الألماني، والرقم منخفض جداً، من اصل عشرة ملايين اردني، ومقيم في الأردن، لكنه تحسن جزئيا، من عشرة الاف في اليوم الأول، الى سبعين الف حتى هذه اللحظة.
هذا الرقم يؤشر الى مشكلة كبرى، في الوقت الذي تتحدث فيه الجهات الرسمية، عن ان اللقاح اختياري، وليس اجباريا، مثلما ان الرقم يؤشر الى ان الثقة باللقاحات تقترب من الصفر، فالكل مذعور وخائف، من الاضرار المحتملة للقاحات، وخصوصا، الاضرار متوسطة المدى، او طويلة المدى التي قد لا تظهر الا بعد سنوات، وبشكل متدرج.
حيثما وليت وجهك في الأردن، الكل يقول لك انه لا يريد ان يتلقى اللقاح، وحين تسأل عن السبب يحكي لك كثيرون مبررات مختلفة، من عدم المأمونية على المدى الأطول من لحظة الحصول على اللقاح، وصولا الى نظريات المؤامرة، وبعضهم يقول دعنا نجرب في غيرنا، فلماذا نستعجل ونتلقى اللقاح، ونكون من الأوائل الذي سيغامرون بأنفسهم في هذه القصة؟.
لكن الكلام هنا، له وجه يتجاوز الحرية الشخصية، اذ ان انخفاض نسبة التسجيل والاقبال، سيؤدي فعليا الى بقاء الوباء في الأردن، واستمرار الإجراءات الصعبة، وتقلبها وتغيرها كل فترة، لأن غالبية المجتمع ترفض تحصينه بهذه الطريقة، وتفضل ان تصاب بالوباء الذي وللمفارقة، باتوا يعرفون اضراره اليوم، اكثر من لقاح لا يعرفون اضراره بعيدة المدى.
هذا يعني ان مبدأ الحرية الشخصية، وتلقي اللقاح على أساس قبول الشخص، قد لا يصمد طويلا، وقد تجد الجهات الرسمية نفسها مضطرة لفرضه، اذا بقيت النسبة منخفضة، وهذا مجرد احتمال لا يستند الى معلومة، بل من باب التقدير لطبيعة المشهد، وحجم التجاوب.
الفوضى التي نراها في العالم، بسبب لقاح كورونا، لا يمكن التعامل معها، عبر مجرد الحض الودي على تلقي اللقاح، والا سنمر بعام صعب جدا، كما ان انتاج اكثر من لقاح في الصين، وروسيا، وبريطانيا، سيؤدي الى تعقيدات اكثر، خصوصا، ان كل التقارير الطبية والإعلامية، شريكة في حروب الشركات المنافسة، وكل شركة او جهة، تريد ترويج لقاحها، بحيث يكون أولا، لاعتبارات مالية، ومن الطبيعي ان يشعر الانسان هنا بالتشويش، امام تعدد الاختيارات.
كيف يمكن في الأردن، اقناع الناس بتلقي اللقاح، ورفع نسبة التسجيل، والسؤال هنا مهم، لا يجيب عنه احد، لكن قد يكون متوقعا، ان يتم فرض اللقاح على قطاعات محددة، في وقت لاحق، برغم حساسية الخطوة، وسوء التأويل المحتمل، اذا تم فرضه على قطاعات معينة.
لن يستفيد الأردن من استيراد اللقاح، وتوفير مليون لقاح مجاني كبداية، اذا بقيت النسبة هكذا، وهذا يعني ان كل العملية مهددة، والأكثر خطرا هنا، ان كل البلد سيبقى تحت تأثير الوباء، اذا بقي التجاوب هكذا، ونحن نعشق التناقضات، فالكل يريد فتح القطاعات، لكن الكل لا يريد ان يلتزم بالإجراءات الاحترازية، والكل يطالب باللقاح، ويضغط من اجل استيراده، ويسأل عن سبب التأخر في توفير الجرعات، لكن الكل لا يريد التسجيل من اجل تلقي اللقاح، فكيف يمكن حل هذه الاحجية، بعيدا عن الكهنة، والسحرة، وقراء فناجين القهوة؟
عبر وسائل كثيرة، تنهمر عليك يوميا، شهادات أطباء أجانب، يحذرون فيها من اللقاحات، وامام هذا الضخ، يخرج المختصون في الأردن والعالم، ليؤكدوا مأمونية اللقاحات، ولسان حال الأغلبية في الأردن، يقول دعونا نتفرج على غيرنا، فلماذا نكون تجربة حية لمثل هذه اللقاحات، هذا على الرغم من ان شعوب العالم، ذات يوم، تخوفت من كل لقاحات الجدري والحصبة، لكنها باتت اليوم عادية، وروتينية لدى كل شعوب العالم.
الحكومة مطالبة بحملة من اجل شرح أهمية اللقاح، حتى لا يتم استيراد مليون جرعة، فيما يتجنبها الناس، فنفشل فشلا كبيرا في اقناعهم، بتلقي اللقاح، فوق بقاء البلد في هذه الازمة.