يشب حريق مفتعل في مخيم المنية للسوريين في منطقة عكار اللبنانية، بعد خلاف بين لبنانيين وسوريين، فيحترق كل المخيم، وتضطر عائلات ان ترمي بأولادها من داخل الخيم، بسبب شدة الحريق، ويتشرد المئات، وكأنه ينقص السوريين، تشرد جديد، وبلاء مستجد.
بعد الحريق، شربت الخارجية السورية حليب السباع، وخرجت لتصرح وتطالب لبنان الرسمي بتحمل مسؤوليته وحماية السوريين على أراضيه، وناشدت السوريين العودة الى سورية، وهي مناشدة، سبقتها مئات المناشدات لمجرد الاستهلاك السياسي والاعلامي، ولم يستمع اليها احد من السوريين، لاعتبارات كثيرة، وهي اعتبارات سبق ان تحدثت عنها تقييمات دولية، فلا احد يجرؤ على العودة أساسا، والكل يتجنبها.
هكذا هي القصة، دمشق الرسمية تطالب لبنان، بأن يتحمل مسؤوليته بحماية مواطنيها، وبدلا من هذا الكلام ، كان على دمشق الرسمية اليوم، ان تتحمل مسؤوليتها هي تجاه مواطنيها، وتعلن عن مصالحة حقيقية مع السوريين، وان تصدر عفوا شاملا كاملا، بلا استثناءات، وان تبدأ بخطط اخلاء للسوريين من دول الجوار بالتنسيق مع هذه الدول، من اجل التوطئة لعودة سورية الى وضعها الطبيعي، وان تتخلص دمشق الرسمية أيضا من عقدة تصفية الحسابات، والثأر المبطن من اللاجئين، والرغبة بإعادة رسم الجغرافيا السكانية داخل سورية الكبيرة والغنية بتنويعاتها، او معاقبة احد من العائدين.
الحريق يعبر في أحدى صوره عن حال السوريين في لبنان، حين يتخذ الرأي العام اللبناني موقفا سلبيا من السوريين، لاعتبارات كثيرة، بعضها له جذر تاريخي، وبعضها طائفي.
هذه هجرة مذلة، للأسف الشديد، هجرة الشقيق الى شقيقه، وهي بذات الاذلال الذي تعرض له شقيق الروح السوري، في كل مكان، عبر البحر الأبيض المتوسط، وفي اليونان، ودول كثيرة، لكن مذلة الهجرة تتضاعف، حين تعيش عند شقيقك العربي، ولا تأمن على نفسك، برغم كل ظروفك، وانت الهارب بدمك وعرضك واولادك، ولا بديل لديك الا اقرب بلد عربي.
بعد كل هذه السنين، فشلت الثورة السورية في تحقيق أهدافها المعلنة، ولم يخسر سوى الشعب السوري، الذي تحولت بلاده الى ملعب دولي، الكل يزود الثورة السورية بالمال والسلاح، والكل لا يريد للثورة ان تنجح تماما، وان تتحول فقط الى أداة هدم في سورية، فيما دمشق الرسمية، غرقت في هذه الازمة، ولم تتمكن في كثير من فصولها من صون المعيار الأخلاقي في الحرب، ففتحت السجون، وقصفت وقتلت وعذبت ولاحقت المدنيين الأبرياء أيضا، بذريعة مقاومة الإرهاب، فأصبح المدنيون حطبا في نار هذه الحرب البشعة .
مشهد احتراق مخيم المنية في منطقة عكار اللبنانية، يوجب على دمشق ان تتحرك، من اجل اغلاق هذا الملف، وهي أيضا قد لا تكون قادرة على إلزام السوريين في دول الجوار على العودة الى سورية، لكن عليها ان تحاول بجدية برغم صعوبة الظروف داخل سورية، لا ان تحض دول الجوار على ممارسة مسؤوليتها، بحماية السوريين، وكأنها مجرد مراقب دولي.
ما هو ذنب السوري، ان يموت مرتين، مرة بسبب الحرب في سورية، ومرة خلال رحلة الهجرة واللجوء، وسط ظروف غير لائقة، وقد توزع السوريون اليوم على عدة دول، بعضها تتعمد مس كرامة السوري، بطرق مختلفة.
لقد بات مطلوبا من دمشق الرسمية، اليوم، ان تخرج وتطالب بمواطنيها في دول الجوار، عبر جهد عربي ودولي، وتهيئة البيئة الداخلية للعودة، من اجل تجاوز جراح الحرب، ومن اجل أن تسترد البنية الداخلية السورية، عافيتها، وهذه هي مهمة دمشق، في حماية مواطنيها، قبل ان تكون مهمة غيرها، حتى لا تنقلب الأدوار، في هذه الدنيا.
مناشدة للخارجية السورية، ألا تتعامل مع السوريين، وكأنهم مجرد مغتربين يبحثون عن الرزق، في المغتربات، فيما هم ضحايا للحرب، وهكذا واقع، لا تتم ادارته عبر مناشدة بل عبر إجراءات ذات اثر لحض السوريين على العودة الى بلادهم.
قبل ان تتحدثوا عن الانتصار، دعونا نرى انتصاركم في عودة ملايين السوريين أولا.