عندما تلقى رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة ووزير الصحة الدكتور نذيرعبيدات الجرعة الأولى من المطعوم،حرص إعلام الرئاسة على التوضيح والتأكيد بأن المقصود بذلك هو اللقاح الإماراتي الصيني، وأن عملية التطعيم تأتي في سياق المرحلة التجريبية للمطعوم والتي شملت مئات المتطوعين الأردنيين.
لم يثر الأمر ضجة أو تساؤلات في أوساط الرأي العام، بل التقدير لخطوة الرئيس، وفهم الجميع أن الهدف من”تلقيح” الوزراء، تشجيع المواطنين في وقت لاحق على تقبل المطاعيم وعدم التردد في أخذها.
تزامن موعد إعطاء الجرعة الثانية لمن يرغب من المسؤولين مع طرح مطعوم “فايزر” في الولايات المتحدة وبريطانيا ووصوله لعدد من دول المنطقة، وربما التبس الأمر على بعض الناس ووسائل الإعلام، إذ خيل لهم أن بعضا من”علية القوم” حصلوا بشكل تفضيلي على المطعوم الذي تم إجازته بشكل رسمي.
بالطبع لم يحصل ذلك إطلاقا، لكن الخبر الذي نشره الزميل جمال حداد أوحى بأن المطعوم الذي تلقته الأمين العام لوزارة التربية والتعليم هو “فايزر”. كان يمكن التأكد من دقة المعلومات قبل النشر.
لكن هل كان هذا الخطأ يستدعي تحويل الزميل إلى محكمة أمن الدولة وتوقيفه؟ قطعا لا.
بداية كان على المسؤولين الذين تلقوا المطعوم التجريبي بعد الوزراء أن يحرصوا على التوضيح في منشوراتهم بأنهم تلقوا المطعوم الإماراتي الصيني منعا لإرباك المواطنين في وقت تملأ الإشاعات الفضاء الإلكتروني، هذا إذا كان من الضروري أصلا الإفصاح عن تلقيهم المطعوم.
ثانيا، كان على السلطات المختصة أن تسارع بعد نشر الزميل حداد للخبر إلى إرسال توضيح وتفنيد للخبر، ونشره أيضا على منصة “حقك تعرف” الحكومية لتبديد الإشاعة،عوضا عن اللجوء إلى إجراء قانوني مكلف من الناحيتين الحقوقية والسياسية.
لقد تكررت كثيرا عادة توقيف الصحفيين في قضايا النشر، وفي كل مرة يحدث ذلك يؤكد الجميع على مبدأ متفق عليه أردنيا وعالميا بعدم جواز التوقيف في قضايا المطبوعات، مع احترام حق جميع الأطراف باللجوء إلى القضاء لرفع الضرر الناتج عن النشر.
كل ما يحصل في مثل هذه الحالات، ضجة واسعة في وسائل الإعلام تنال من سمعة الأردن، وتطعن في احترامه للحريات الصحفية، وتضعه في مرتبة الدول التي تنتهك الحريات. وفي العادة توافق السلطات بعد أيام على تكفيل الصحفي الموقوف، ولا نعود نسمع شيئا عن القضية.
لماذا نجلب لبلدنا السمعة السيئة، بينما نحن في الحقيقة أفضل بكثير من غيرنا ونستطيع أن نطور من تجربتنا على نحو يضعنا في مراتب الدول المتقدمة؟!
لا أحد يدافع عن التجاوزات المهنية في قضايا النشر، وإذا ما توسعنا أكثر لمنصات التواصل الاجتماعي، فإن الشكوى من فساد محتواها الأخلاقي والمهني يضر بالجميع دون تمييز بين مسؤول أو مواطن عادي، ومن يتابع القضايا المنظورة في المحاكم ضمن قانون الجرائم الإلكترونية سيلاحظ بسهولة زيادة أعدادها بشكل كبير، وبأن أغلبها يتم تحريكها من مواطنين عاديين وليس مسؤولين في الحكومة.
ينبغي على المسؤولين أن يتمتعوا بقدر أكبر من سعة الصدر، وعدم الانجرار وراء انفعالاتهم حتى عندما تخطئ وسائل الإعلام،لأن ذلك يقوض جهود الدولة والمجتمع لتصويب الاختلالات الحقيقية في الفضاء الإلكتروني، وحشد التأييد ضد الممارسات اللاأخلاقية في مواقع التواصل الاجتماعي، والدعاية الخارجية التي تحاول دق أسافين الفرقة والخلاف بين مؤسسات الدولة والمواطنين.
ليكن العام الجديد بداية لعهد جديد في الحريات الصحفية، نعلن فيه كصحفيين تمسكنا بمواثيق الشرف والكرامة والزمالة، وتتوقف فيه السلطات عن عادة توقيف الصحفيين قبل محاكمتهم، ونطوي بشكل كامل مبدأ السجن كعقوبة في قضايا النشر.