ثلاثة جيد

منذ أيام، استرقت السمع الى أحلام بعض الشباب الذين دخلوا الى سوق العمل قبل أن يكملوا الثانوية العامة. الشباب الخمسة الذين لم ألتقهم من قبل في العشرينيات من العمر ويقومون بأنشطة زراعية وإنشائية متنوعة. طوال الأيام التي جمعتني بهم كان الحديث يدور حول أحلام كل منهم في شراء سيارة بيك اب مستعملة تفي بأغراض الركوب والنقل الذي يلزمهم وهم يؤدون أعمالهم اليومية. في الحوار الدائر بينهم، كانوا يستعرضون أسماء أصدقائهم الذين نجحوا في تحقيق الحلم وتملكوا السيارات التي رغبوا في شرائها. كلفة أحلام هؤلاء الشباب تدور في فلك الأربعة آلاف دينار، وهو المبلغ التقديري لسعر سيارة نصف النقل موديل التسعينيات شريطة ألا تكون قد تعرضت لحوادث من المستوى الذي يؤدي الى فتلان الشاصي أو أي دمار في قاعدة هيكلها.
الحوار الطويل الذي بدا لي وكأنه بلا نهايات، قادني الى التفكير في هموم وتطلعات شريحة من شبابنا، كما سمح لي أن أستكشف قصصا وقضايا وتفاعلات ترتبط بتجارة السيارات المستعملة. لقد كنت دوما على قناعة بأن عالم السيارات المستعملة وتجارتها مليء بالمغامرات الصغيرة والصفقات وفيه الكثير من الفائدة والتسلية والإثارة ويحوي من الخبرات والمصطلحات والأحاديث ما قد يصعب على الفهم اذا لم تكن واحدا من الذين يترددون على هذه الأسواق أو يتابعون ما يجري فيها من مداولات.
في أسواق الحراج الرئيسية والموازية التي تنتشر على مساحة البلاد أناس متخصصون في إبرام الصفقات، وهناك من يساعدهم في العرض وآخرون في الحكم والتقييم، وعلى مداخل الأسواق هناك متسكعون لا عمل لهم إلا التعرف على نوعية المركبات المعروضة والميزات والعيوب الكاملة لكل واحدة منها والسعر المناسب لأقرب عشرة دنانير.
على مداخل السوق يوجد دلالة ومعرفون يقدرون مستويات العرض والطلب ويرشدون الباعة الى الإجراءات التي عليهم اتباعها والأشخاص الأكثر مهارة في إغلاق الصفقات المحتملة. في مراكز الفحص المنتشرة، ينبغي على البائع أن يحمل شهادة التقييم التي تقول عن متانة المحرك ونظافة الهيكل ونوع ومستوى الحوادث التي تعرضت لها المركبة والآثار التي تركتها على جسم المركبة وكفاءتها.
بعض أصحاب السيارات الخاصة والعمومية وباصات النقل الصغيرة والنقل المتوسط يرتادون السوق كلما توفر لديهم شيء من الوقت لإعادة تثقيف أنفسهم بما يجري. الزيارات المتكررة للسوق لا تأتي لأغراض البيع أو الشراء بقدر ما هي مناسبة للاطمئنان على القيم السوقية للسيارات التي يمتلكها الأشخاص والتعرف على مستوى الأسعار الجديد.
منذ سنوات، حاولت أمانة العاصمة تغيير موقع حراج السيارات الذي نشأ في منطقة عرجان منذ عقود. ما إن نشر خبر نية “الأمانة” حتى تحركت الكثير من الجماعات والرأي العام الذي اعتاد على وجود هذا المرفق في هذا المكان، الأمر الذي دفع بـ”الأمانة” الى تجميد نيتها والاستجابة لرغبات الآلاف من الرواد والمستثمرين.
بفضل وجود الحراج، تحول شارع الجيش الواصل بين المدينة الرياضية وأتوستراد الزرقاء الى شارع حيوي يحوي عشرات المعارض المتخصصة في استيراد وبيع المركبات من مختلف الأنواع والأحجام والأسعار. الى جانب أكثر من مليون ونصف مليون مركبة مرخصة تسير على شوارع وطرق المدن والمحافظات الأردنية يوجد في المعارض مئات آلاف المركبات التي تنتظر المشتري أو المستورد قبل أن تصبح في عداد المنتجات التي عفا عليها الزمن.
في أسواق أو “حراج السيارات المستعملة” تحمل عبارة 3 جيد أو 4 جيد دلالات مالية وفنية لا يفهمها إلا من ارتاد السوق ودخل في صفقاته التي لا تنتهي.

أخبار أخرى