حزمة التعويضات.. حتى لا يضيع الهدف

أعلنت الحكومة قبل أيام عن برنامج تعويضي للقطاعات التي تضررت من جائحة كورونا بقيمة 200 مليون دينار، وسيتم من خلاله دفع أجزاء من رواتب العاملين تصل في نسبها في بعض الحالات للنصف، وهي خطوة جريئة من الحكومة التي تعاني خزينتُها من عجز مزمن يتجاوز الملياري دينار.
البرنامج التعويضي يهدف أساسا لتخفيف الأعباء على القطاع الخاص، وهو نوع من المشاركة في تحمّل الخسائر التي طالت الكثير من منشآت الأعمال، والحفاظ على استمرارية عمل ما يقارب الـ170 ألف عامل، فهو برنامج للمساعدة وليس برنامجا للثراء وثمناً قد يتصوره البعض.
لغاية الآن لم تصل الحكومة إلى معايير محددة لمستحقي هذا البرنامج من التعويضات، الذي سيستمر العمل به حتى شهر أيار المقبل، والمسألة ليست سهلة في تحديد تلك المعايير، لأن أداء القطاعات متفاوت بشدة.
هناك قطاعات متوقفة عن العمل، وهذه قطاعات متضررة بشكل واضح لا خلاف عليه، مثل الفنادق والمكاتب السياحة وصالات الأفراح وغيرها من الأنشطة المتوقفة نهائياً عن العمل بموجب أوامر الدفاع، فهذه تستحق الدعم التعويضي مباشرة.
هناك قطاعات متضررة من جراء كورونا، والضرر هنا يختلف من قطاع لآخر، وفي داخل القطاعات نفسه أيضا، فقطاع الأثاث على سبيل المثال ليس كله متضررا فهناك الكثير من المحلات تعمل بشكل جيد، والسيارات كذلك، والمطاعم كذلك بعضها يعاني الأمرين، والبعض الآخر تراجعت إيراداته بنسبة 25 بالمائة، والصناعات أيضا تختلف من منشأة لأخرى فهناك القليل منها حقق زيادة في الربح، وآخر حافظ على مستواه، والكثير منهم تراجعت أرباحه ومبيعاته، والكثير دخل في نفق الخسائر.
المشهد الاقتصاديّ المحليّ ليس بالضبابية السائدة في عقول الكثير، والتي تتركز بأن الجميع خاسر، والأعمال متوقفة وغيرها من الصور السوداوية، صحيح أنه يوجد ضرر كبير لحق بالعديد من القطاعات، لكن هناك أيضا قطاعات تعمل بوتيرة عالية ومميزة جداً، فالأزمات تخلق أيضا فرصا اقتصاديّة، وهذا ما تثبته أرقام دائرة ضريبة الدخل والمبيعات، فالتحصيلات الشهريّة في تزايد من شهر لآخر، ويستطيع أي مراقب أو مشكك أن يدخل على موقع الضريبة الإلكتروني ويطّلع على تفاصيل الأرقام والتحصيلات الضريبيّة ليرى ذلك النموّ الذي لا يتحدث به الكثير ويحاولون إخفاءه، فلغاية شهر تشرين الثاني الماضي نمت تلك التحصيلات بنسبة 10 بالمائة عمل كانت عليه بنفس الفترة في العام الماضي.
الحكومة مطالبة اليوم بوضع معايير واضحة للجهات التي تستفيد من هذه التعويضات خاصة وأن المبالغ المرصودة قليلة عما تحتاج أصلا تلك القطاعات، وهذا يستوجب أن تمتلك الجهات المعنية قاعدة بيانات دقيقة عن المتضررين فعلياً ودراسة كُلّ حالة على حدة، وأن لا يحدد الضرر على اسم القطاع فقط.
في اعتقادي الشخصي أن معيار الربح والخسارة هو الأساس في التعويض، بمعنى أنه إذا ثبت فعلياً أن تلك المنشأة سجلت خسائر نتيجة كورونا تحديدا وجب التعويض لها، أما إذا تراجعت أرباحها، فهذه منشأة يجب أن تستثنى من التعويض الذي يجب فقط أن يوجّه للخاسر، فالتراجع في المبيعات والأرباح أمر مقدور عليه من أرباب العمل والمستثمرين لفترة ما، أما الخسائر فيجب التحرك لوقفها، لأنها في النهاية في حال استمرارها تصب في اتجاه خروج المنشآت من السوق، وبالتالي خسارة استثمار وزيادة في البطالة.
المعلومات التي يجب توفرها عن القطاعات المتضررة والمتقدمين للتعويض يجب أن تكون دقيقة مستمدة من بيانات ورقابة أجهزة تمتلك هذه المعلومات أساسا مثل الضربية والضمان، وهنا يقتضي التنسيق بينهما ومع الجهات الرسميّة للوصول للمعلومة السليمة.
مخصصات التعويضات قليلة نسبياً لكنها كبيرة بالنسبة لاقتصاد مثل المملكة، وبالتالي يجب الحرص على صرف هذه المستحقات بالشكل الصحيح والسليم وتحقيق الحد الأدنى من الهدف الأساسي لتلك الحزمة التعويضيّة كما أعلنته الحكومة وهو الحفاظ على استدامة الأعمال

أخبار أخرى