بين الفترة والأخرى ينشغل الرأي العام بموضوع مصفاة البترول ووفقاً لآخر صرعات الإشاعات، ما تداولته صفحات السوشيال ميديا، وانقادت خلفه وسائل الإعلام المختلفة من مرئي ومسموع ومطبوع، وهو هل ستبيع الحكومة المصفاة؟
طبعاً الإجابة عن هذا السؤال لا تحتاج إلى عبقرية في التحليل، فالسؤال بالأصل غير منطقي، لأن الحكومة ليس لها علاقة ملكية في الشركة سوى أنها تمتلك أسهماً لا تتجاوز نسبتها الـ2 بالمائة من رأسمالها، فهي شركة مساهمة عامة يمتلكها أكثر من 34 ألف مساهم بعضهم يملك عشرات الأسهم، والبعض تصل ملكيته إلى 20 مليون سهم، وبالتالي لا تمتلك الحكومة وسائل أو أدوات لبيع الشركة كما يروجه البعض.
أما عن قصة الكبريت والشماعة التي يذهب إليها البعض لفتح ثقب في جدار الثقة في الشركة الوطنية، فهذا الأمر مرتبط بمشروع التوسعة الرابع المتفق عليه مع الحكومة في العام 2018 حيث توصل الطرفان، بعد حوالي ستة أشهر من التفاوض، إلى اتفاق بأن تقوم الشركة ووفق برنامج زمني بتنفيذ مشروع التوسعة خلال خمسة أعوام مع إعفائها من تطبيق المواصفات حتى الانتهاء من المشروع وبالمقابل تقوم الحكومة بسداد الديون المستحقة عليها للشركة قبل نهاية العام 2020، وهذه التوسعة التي سترتقي بمواصفات الديزل ومعالجة قضية الكبريت وتخفيض كلف الإنتاج مما سينعكس ايجابياً على كلفته النهائيّة التي تصل للمواطن.
بدأت الشركة بخطط التوسعة من اختيار التصاميم والتكنولوجيا وتعيين المستشارين الفنيين والماليين، وإرسال دعوات المشاركة في بناء وتمويل المشروع لكبريات الشركات العالميّة، وفي المقابل الحكومة ملتزمة بموجب الاتفاق ان تقوم خلال ثلاث سنوات بتسديد المبالغ المستحقة عليها للشركة، أي انه في نهاية هذا العام كان يجب ان يقفل دين الشركة على الحكومة التي للأسف لم تلتزم سوى بدفع حوالي نصف المبلغ تقريبا والباقي معلق، وهو الأمر الذي ساهم الى حد كبير في تأخير بعض إجراءات التوسعة، لأن الممولين ينظرون الى الوضع المالي الشمولي للشركة، ويطلبون تأكيدات واضحة حول هذه المبالغ وكيفية وموعد سدادها من اجل بناء مركز مالي واضح ومجد للمشروع، وهذا ما يتطلبه قيام الجهات الرسميّة بالوفاء بتعهداتها في الاتفاق، ودعم الإسراع في مشروع التوسعة الرابع.
المصفاة ليست شركة عابرة في الاقتصاد، فهي شركة وطنية بامتياز، وهي في حال حصولها على استثناءات في بعض منتجاتها كالديزل، فهذه ليست منة من الحكومة، بل هذا واجب عليها، لأن الشركة منحت كل الاستثناءات المنطقية وغير المنطقية للحكومة ولمؤسسات الدولة المختلفة، وتحمّلت من الأعباء المالية التي وجب على الخزينة تحمّلها، فهل تقدر مؤسسات الدولة على شراء احتياجاتها من المحروقات وتؤجل دفعاتها للشركة لأشهر وسنوات كما يحصل مع المصفاة؟، الإجابة معروفة وتعلمها جيدا الحكومة، فلا احد يستطيع تحمّل تأخر الجهات الرسميّة في دفع أثمان المحروقات لفترات طويلة كما هو الحال مع المصفاة، وقد جربت تلك المؤسسات اللجوء لبعض الشركات المستوردة للمشتقات، فكان الجواب الدفع اولا.
في بداية أزمة كورونا ونتيجة الإغلاقات وتنامي الطلب الشديد على المحروقات قامت المصفاة بتعاقدات إضافية للغاز كلفتها 5 ملايين دينار تحملتها بالكامل ولم تتحمل الخزينة فلسا واحدا بل أن الحكومة لم تنصف المصفاة بعد فيما يتعلق بتعديل عمولة تعبئة الغاز المسال بالرغم من مرور سنوات على اتفاق بتعديلها، ناهيك عن التعاقد مع باخرتي نفط خام ومشتقات مختلفة لتأمين البلاد بكافة احتياجاتها لفترات طويلة دون أيّ انقطاعات، وهذا ما حدث فعلا، فلم يشعر الموطن أو أي مستهلك بأي نقص خلال الفترات الماضية، في أي فترة في تاريخ المملكة.
الحكومة مطالبة بتوفير كُلّ الاستثناءات لشركة مصفاة البترول، كونها شركة لها عمق اقتصاديّ استراتيجي كبير في الاقتصاد الوطنيّ، فهي داعم حقيقي وأساسي للاستقرار الاقتصادي، ومشغّل كبير لقوى عاملة وأسطول من الشاحنات، ولو اتبعت المصفاة الأسس التجارية وفق اقتصاد السوق لاستغنت عن الكثير منهم، لكنها تقوم بدور اجتماعيّ واقتصاديّ مسؤول لا تقوى عليه أي مؤسسة أو شركة أخرى.
ومع ذلك المصفاة لا تطلب شيئا استثنائيّاً خارقاً، كُلّ ما هو مطلوب ان تقوم الحكومة بواجباتها في الاتفاق المبرم معها بتسديد التزاماتها، والنظر إليها بعدالة ومسؤولية واتزان كما تفعل مع الشركات التسويقيّة الأخرى التي منحتها تسهيلات وحوافز استثنائية خارج الصندوق، لا بل أنها سمحت لها باستيراد الديزل المشابه لمنتج المصفاة بعد ان فصلت لهم مواصفة خاصة بذلك، ومع ذلك بقي المواطن والمستهلك يثق بالمصفاة التي لم تخذله يوماً، فالدعم ضروري للمصفاة، وتسيير أعمالها ومشاريعها يجب ان يبقى أولويّة حكوميّة.