لم تترك تعديلات الدستور الأردني في زمن الربيع العربي هامشا لغياب مجلس النواب لفترة تزيد على أربعة شهور بعد حله. كان هذا التحديث على الدستور جزءا من حزمة إصلاحية متكاملة لتعزيز الحياة البرلمانية والسياسية في البلاد، وفي البال هدف أكبر يتمثل بتكريس نهج الحكومات البرلمانية، يضاف لذلك التعديلات الجوهرية التي تم إدخالها على قانون الانتخاب واعتماد مبدأ التمثيل النسبي الأكثر مواءمة للمشاركة الحزبية.
هذا الهدف استند لافتراض قيام أحزاب سياسية قوية وراسخة عوضا عن حالة التشرذم القائمة، وعند وصول الأحزاب إلى البرلمان يمكن ببساطة تشكيل كتل نيابية متماسكة تنبثق منها حكومة أغلبية برلمانية تقابلها كتلة المعارضة في البرلمان، وهكذا تدور عجلة الحياة الديمقراطية والبرلمانية وفقا لأحدث مصفوفة عالمية للديمقراطيات.
لم يحصل ذلك بالطبع، حكومة يتيمة ولدت من رحم المشاورات النيابية، فقدت زخمها النيابي بعد أشهر وعادت الأمور إلى سابق عهدها في تأمين الأغلبية النيابية لبقاء الحكومة واستمرارها.
لم تحمل نتائج انتخابات 2016 والانتخابات الأخيرة 2020 أي جديد يغير من الوضع القائم. تمثيل الأحزاب في البرلمان الحالي جاء أقل من مستواه في مجلس النواب السابق، والكتل البرلمانية في المجلس الثامن عشر لم تكن أحسن حالا من سواها في البرلمانات، ولا يتوقع أن نشهد فرقا يذكر في البرلمان الحالي.
حالة الأحزاب عموما تشهد تراجعا مريعا، نتائج الانتخابات الأخيرة أظهرت أن مترشحي الأحزاب حلوا في المراتب الدنيا من حيث حصتهم الصوتية، وثبت بالدليل القاطع أن المشاركة الحزبية في الانتخابات هدفها تأمين الدعم المالي المقرر في نظام التمويل الحزبي الذي اشترط مشاركة الحزب في الانتخابات للحصول على الدعم.
كان هدف النظام هو تحفيز الأحزاب على المشاركة في الحياة البرلمانية لتطوير قدراتها وحضورها في الحياة السياسية، لكن النتائج باستثناء حزبين حصلا على عشرة مقاعد جاءت مساوية لعدم المشاركة تقريبا.
فلسفة التعديلات الدستورية تواجه مأزقا في التطبيق، فثمة فجوة أو مسافة كبيرة بين ما قام عليه الدستور والواقع الحزبي والبرلماني، فكيف نسد هذه الفجوة؟
أمامنا خياران، إما أن يصبح الدستور بمستوى الوضع القائم حاليا، أو ترتقي الحياة الحزبية والبرلمانية لمستوى الدستور.
تجربة السنوات الثماني الماضية تشير بوضوح إلى صعوبة الارتقاء للأعلى، لكن من يجرؤ اليوم على المطالبة بتعديل الدستور والتراجع عن بعض التعديلات التي أدخلت عليه؟
الحل الوحيد المتاح والمفضل هو التفكير بخطة سياسية وتشريعية لتغيير الوضع السياسي القائم، مراجعة قانون الأحزاب لحصر المنافسة بين خمسة أحزاب على أحسن تقدير، وإلغاء رخص الأحزاب القائمة بعد تعديل القانون ليتسنى لنا بناء منظومة حزبية جديدة. والأمر الثاني إخضاع النظام الانتخابي المعتمد حاليا في القانون للمراجعة أيضا، لاختبار التعديلات التي تمكننا من الوصول لنظام يقوم على مبدأ القوائم الحزبية، مع التمسك بالتمثيل النسبي.
إذا توفرت القناعة لدى مختلف الأطراف بأن الوضع القائم غير قابل للاستمرار، يغدو التفكير بالمراجعة أمرا مشروعا وملحا، وبخلاف ذلك لا مبرر لفرك الرؤوس.