زيت الزيتون..وفوضى السوق

اذا كنت ناشطا على وسائل التواصل الاجتماعي ودخلت الى موقع السوق المفتوح فقد تقع عيناك على اعلان لبيع كميات من زيت الزيتون بمبالغ قد تتراوح بين الخمسين دينارا للتنكة لتصل الى خمسة وثمانين. المدهش في هذه الاعلانات ان الجميع يضع المواصفات نفسها للمادة المعروضة. وغالبية المعلنين يقولون ان زيتهم بكر، وبعلي من انتاج هذا العام وجرى عصره على خط انتاج لا يستخدم مياها ساخنة.
التباين الكبير في الاسعار يشير الى خلل تنظيمي في سوق احد اهم المنتجات الزراعية التي عرف بها الاردن منذ العهد الروماني. ولا يوجد اي آلية واضحة لكيفية التعامل مع المنتج الذي تنتظره آلاف الاسر وتعول على الموسم لتغطية الالتزامات المالية التي فرضتها الظروف على الاسر.
فوضى الانتاج والتسويق وعدم وجود آلية ومعايير واضحة للتحقق من جودة المنتج والحد من الاختراقات وعمليات الغش التي يتم اكتشاف بعضها بالصدفة او بالتبليغ تربك المزارع وتقلق المستهلك وتضعف الثقة بالدور التنظيمي للحكومة واجهزتها الزراعية المتخصصة.
المقولة الشائعة التي استخدمت مثلا : ” ما حدا بيقول عن زيته عكر” تلخص اوضاع المنتجين والمسوقين الذين يلهثون خلف المستهلكين لاقناعهم بان منتجهم نوعي ومختلف عن كل ما قد يصادفونه من منتجات.
اليوم لا تزال المشكلة على ما هي عليه منذ اكثر من ثلاثة عقود بالرغم من تشخيصها وتجدد المشهد في كل عام. ففي الاردن لا احد يعرف من أين تأتي كميات الزيت التي تعرض في الاسواق والمحال التجارية باسعار لا تغطي كلفة الانتاج.
في الملكيات الزراعية الصغيرة والمتوسطة تصل كلفة انتاج الكيلوغرام الواحد من الزيت الى ما يقارب اربعة دنانير الامر الذي يجعل بيع العبوة “التنكة سعة 16 كغم” باقل من 75 دينارا امرا يبعث على الشك في نوعية ومصدر وغايات الجهات التي تقدم الكميات وتقوم بعرضها.
الاساليب والافكار والبرامج التسويقية لزيت الزيتون لا تزال بدائية وتفتقر الى الوعي بقصة المنتج وتاريخه وطرائق تحويله الى سلعة تحمل قصة وخصوصية تجعل منه خيارا مميزا للمستهلك.
منذ عقود وتجار الكيان الاسرائيلي يستوردون كميات من الزيتون من بعض المزارع الاردنية ويعيدون تشكيلها وتعبئتها وتقديمها للمستهلك في الاسواق العالمية على انها منتجات الاراضي المقدسة.
استمرار تعبئة منتجات الزيتون في عبوات من التنك تحتوي على كميات كبيرة دون اي اشارة الى تصنيف ونوعية وخصائص المنتج عامل من العوامل التي شجعت الجميع على التجارة في هذه المادة دون حاجة للبرهنة على ما يميزه عن غيره من المنتجات.
هذا العام يبدو محصول الزيتون في احسن احواله فقد اشار الخبراء والمزارعون الى وفرة الناتج وجودة المنتج. المشكلة التي يواجهها الجميع تتعلق بتسويق المحصول واستمرار دخول زيت منافس من مناطق مجاورة باسعار اقل وجودة غير مضمونة.
الآلية والطرائق التي تدخل من خلالها المنتجات لا تخدم التجار ولا تراعي حقوق المزارعين الذين امضوا طوال العام وهم يعملون بجد بانتظار العائد.
كما يحصل مع التفاح والمشمش والماشية تصطدم مصالح المزارع والمنتج الاردني مع نفوذ السماسرة والتجار َالمهربين الذين يرون في حصولهم على رخص الاستيراد او قيامهم باعمالهم بلا ترخيص فرصة لنمو ثرواتهم وتحقيق مكاسب شخصية ولو على حساب مصلحة الاقتصاد وصحة المواطن.
كنت اتمنى ان تعمد وزارة الزراعة الى تبني برنامج لادارة وتسويق محصول الزيت بحيث تصنف معاصر الزيت على انها منشآت لانتاج الزيت ويجري تصنيف وتبويب المنتج وتعبئته بعبوات من احجام مختلفة وتصديره الى جهات ومقاصد واسواق عالمية باعتباره منتجا اردنيا تاريخيا مميزا.

أخبار أخرى