أبدى الكثير استغرابه من توقعات الحكومة وصندوق النقد الدوليّ بما يخص معدّلات النموّ الاقتصاديّ للعام المقبل، والتي رجّحت أن يحقق الاقتصاد الوطنيّ نموّاً بنسبة 2.5 بالمائة.
هذه النسبة المرتفعة مقارنة عمّا عليه النموّ في العام 2020 هي كبيرة فعلاً، وأفضل التوقعات للنموّ هذا العام ستكون بحدود (1-2) بالمائة نموّا سالباً، بعد أن كانت التوقعات في البداية تشير إلى أنه قد يصل إلى 3.5 بالمائة في السالب.
التطوّر الإيجابي في النظرة تجاه النموّ الاقتصاديّ جاء نتيجة التطورات البحثية في إيجاد اللقاح الخاص بالكورونا، فلغاية الآن أعلنت ثلاث شركات عالميّة عن لقاح فعّال وناجح ضد هذا الوباء، والأخبار المتداولة حوله أنه مع نهاية الشهر المقبل سيتم البدء بتوزيع اللقاح، مما يعني فعليّاً أن مع نهاية الربع الأول هناك احتمالية كبيرة أن يكون اللقاح قد حصل عليه الكثير من دول العالم، وبالتالي العودة التدريجيّة للحياة الطبيعيّة التي كانت ما قبل انتشار الوباء.
في ضوء ذلك من المرجح أن يعود العديد من القطاعات الاقتصاديّة للعمل التدريجيّ وبشكل نسبي إلى طبيعته السابقة ونشاطه المعهود، مما سيكون له أثر إيجابيّ كبير في رفع معدّلات النموّ الاقتصاديّ.
قطاع السياحة والنقل من القطاعات التي تساهم في الناتج المحلي الإجماليّ بنسبة تتجاوز الـ 23 بالمائة، وهذه القطاعات اليوم شبه متوقفة عن العمل، ونشاطها مرهون بعودة الحركة للسياح والمسافرين، وهذه لا يمكن أن تعود كما كانت إلا مع اكتشاف اللقاح الذي سيضمن أماناً أكثر في التنقل والسفر والسياحة، والكُلّ هنا يعوّل على عودة هذا القطاع إلى النموّ الذي كان عليه قبل كورونا والذي كانت نسبته تتجاوز الـ 15 بالمائة، مما سيعطي دفعة قوية للنموّ الاقتصادي العام.
اكتشاف اللقاح عالميّاً يعني استعادة الاقتصاد العالميّ عافيته، مما يعني تحسن الطلب العالمي على السلع الأساسية كالبوتاسيوم والفوسفات والأسمدة، مما سيعمل تدريجيّاً على تحسن أسعارها العالمية وبالتالي تتحسن إيرادات الشركات الكبرى في الأردن من المنتجة لتلك السلع، مما سينعكس إيجاباً على تحصيلات الحكومة منها إضافة إلى نموّ توزيعات أرباح البنوك.
تحسن المزاج العام لدى المواطنين والقطاعات الاقتصاديّة والمستثمرين بعودة الحياة لطبيعتها يعني تحسن الطلب الداخليّ، وتعزيز الثقة بالاقتصاد مؤشر مهم على انتشار حالة اليقين في المجتمع والنظرة الإيجابيّة للاقتصاد الوطنيّ ستساعد كثيراً في زيادة الاستهلاك والاستثمار معاً، وهذا سيساهم في زيادة حركة المشتريات الداخليّة من جهة، وحركة الصادرات الوطنيّة من جهة أخرى.
عودة القطاعات الاقتصاديّة للعمل يعني إيقاف عمليات إعادة الهيكلة والتسريح التي اقتربت الشركات من اللجوء إليها بسبب تداعيات الوباء الذي أثر على أعمالها وأنشطتها المختلفة، وبالتالي عودة القطاعات للعمل ستوقف نزيف البطالة على المدى القصير.
التوقعات بارتفاع معدُلات النموّ من السالب في هذا العام إلى نموّ إيجابي 2.5 بالمائة في العام المقبل أمر طبيعي مع العودة التدريجيّة لعمل القطاعات الاقتصاديّة، وقد ترتفع التوقعات إلى أكثر من هذه المعدّلات المتدنية في النموّ في حال قامت الحكومة باتخاذ مجموعة من الإجراءات التحفيزية للقطاعات الاقتصاديّة لمساعدتها على تجاوز تداعيات كورونا السابقة التي ستبقى عميقة لدى الكثير من الشركات التي هي بأمس الحاجة اليوم لمد يد العون لها وتبسيط الإجراءات عليها خاصة الإداريّة والتشريعيّة منها.