تزدحم ملفات الشرق الأوسط على طاولة بايدن: الملف النووي الإيراني، النزاع العربي الاسرائيلي، أجندة الدمقرطة وحقوق الإنسان، الحرب على الإرهاب، النزاع في سوريا، وعدم الاستقرار في العراق. كل هذه ملفات سيكون لمواقف وسياسات بايدن أثر مباشر عليها، والمؤمل أن تقوم إدارة بايدن بتقييم سياسات الولايات المتحدة في هذه الملفات بشكل احترافي فيستمع للمؤسسات العاملة بالميدان وتقييمات الحلفاء والأصدقاء التي غالبا ما تكون أعلم وأخبر بشؤون الإقليم. ما لا يراد من بايدن أن يتحلى بروحية الانتقام والانقلاب على سياسات ترامب كما فعل هذا الأخير مع أوباما. لا أحد بالشرق الأوسط يريد تغييرا لمجرد الرغبة بالانقلاب على سياسات ترامب، والأفضل للإقليم أن يحدث التغيير بناء على عملية مؤسسية تقدّر وتقيّم الملفات وتوصي بالسياسات بشكل احترافي وموضوعي.
المشكلة تتعقد أكثر إذا ما أمعنا بدرجة التشابك بين جميع الملفات الشرق أوسطية؛ فهي متداخلة ومركّبة وتؤثر على بعضها باتجاهات متباينة. نظرة على هذه التحديات تبرز بوضوح الأثر الذي يحظى به الملف الإيراني على باقي التحديات الشرق أوسطيه فهو يغذيها سلبا بشكل أو بآخر. غالب دول الشرق الأوسط وكل دول الخليج تنظر للخطر الإيراني على أنه الأخطر والأولوية القصوى التي لا تتعداها أخرى، وهذه الدول ستربط بين تعاونها بباقي الملفات وبين موقف وسياسة أميركا من إيران، فان كنّا على وشك العودة للاتفاق النووي الإيراني الذي وقعه أوباما، فلنعلم من الآن أن ذلك سيخلق أجواءا سلبية جدا بين أميركا والخليج واسرائيل. هذه الدول تعتبر إيران خطرا محدقا ومباشرا ولن تتعاون في أي ملف إذا ما أهملت هواجسها من قبل أميركا. هذا واقع السياسة في الشرق الأوسط ولا بد لبايدن أن يدرك هذه الحقيقة ويعي أهمية ملف إيران النووي وطغيانه على باقي ملفات الشرق الأوسط.
يتعرض بايدن لضغوط قوية من يسار حزبه للعودة للاتفاق النووي مع إيران، وان يغادر سياسة ترامب التي انتهجت أسلوب العقوبات القصوى على إيران، وأن يعاود الانضمام للدول الأوروبية الشريكة في الاتفاق النووي مع إيران. بايدن ليس يساريا ويصف نفسه بالوسطي، ولا يتوقع أن يستجيب لضغوطات يسار حزبه، ووارد جدا أن يقيم سياسة ترامب تجاه إيران ويسأل الخبراء عن نجاعتها، وسيجيب هؤلاء أن سياسة العقوبات القصوى في الواقع كان لها ثمار جيدة وقد لا تكون سيئة لمجرد أن ترامب هو الذي اختطها. فوقف عدوانية إيران في الشرق الأوسط وسياساتها التدخلية التي تزعزع الاستقرار سيفتح المجال لفضاء من الفرص لحل لعديد من مشكلات الشرق الأوسط.
ما قاله بايدن في مناظراته أنه سيمنع بيع الأسلحة للخليج عقابا على حرب اليمن وملف حقوق الإنسان يعتبر كلام انتخابات يعلم بايدن نفسه عدم واقعيته، فيمن الحوثيين ذراع لإيران والأسلحة موجودة بالأسواق لا تجد من يشتريها. مزيد من التوازن متوقع من بايدن عندما يبدأ فعليا بالتعامل مع ملفات الشرق الأوسط، ولا يمكن بحال التعامل مع هذه الملفات بالقطعة فهي متداخلة ومتشابكة تستوجب الشمولية في التقييم والقرار.