في احتفال بسيط فرضته تداعيات أزمة كورونا، تم أول من أمس إشهار شعار مئوية تأسيس الدولة الأردنية، بالتزامن مع ذكرى وصول الأمير عبدالله الأول إلى مدينة معان، ليبدأ من هناك مسيرة بناء الدولة الأردنية.
مائة عام مرت على ولادة الأردن دولة عربية هاشمية. لم يكن أحد ليصدق في تلك الأيام أن الإمارة الصغيرة التي ولدت من رحم التقسيم الاستعماري للمشرق العربي ستصمد قرنا من الزمن وتستعد لدخول المئوية الثانية من عمرها.
العامل الحاسم الذي منح الدولة الأردنية القدرة على الصمود في سنواتها الأولى هو انتماؤها للمشروع الوحدوي العربي، وتبنيها لشعار الدولة العربية التي أجهض الاستعمار أحلامها.
كانت إمارة على ذمة مشروع قومي عربي يقوده الهاشميون هدفه توحيد شعوب المنطقة تحت راية عربية واحدة.
لم يكتب لهذا المشروع النجاح، لكن الدولة الوليدة ظلت أمينة على مبادئه، ثم وجدت نفسها وسط عواصف إقليمية ودولية، كرست واقع الدولة القطرية إلى يومنا هذا. آمال الوحدة تلاشت تقريبا، وكان على المملكة الفتية أن تصارع طويلا للبقاء والصمود وفق قواعد اللعبة الدولية وميزان القوى السائد.
الأردن حالة فريدة بين الدول، فماشهدته من متغيرات لم يسبق أن عاينته دول أخرى. مملكة فقدت نصف أرضها في الحرب الاستعمارية الصهيونية، وتضاعف عدد سكانها في غضون عشرين سنة تقريبا. حدث ذلك وهي لم تتعاف بعد من الانتداب الأجنبي، أو تبلغ مرحلة الاستقلال الناجز.
لم يمر عقد من الزمن دون أن تشهد تركيبتها السكانية تغييرات جوهرية، ودون حروب في العمق والجوار. شهدت عقود الحرب الباردة والأحادية القطبية، والموجة الثورية العربية، وانهيار الدول وسقوط الأنظمة من حولها.
مائة عام من معارك الوجود والحدود. ليس صحيحا أن الأردن الذي ولد قبل مائة عام مايزال هو ذاته اليوم. لقد كان دولة دائمة التشكل. الهوية الوطنية للدولة في حالة تشكل وتطور مستمر. استوعبت الهجرات من مختلف الأصول، والقوميات. مصادر القوة والنفوذ متغيرة أيضا، تبعا لمعطيات داخلية وخارجية، ومثلها التحالفات.
الأردن دولة أكثر من أي شيء آخر، هذا ماحمل الأردنيين على الشعور بالقوة دائما، بل المبالغة في تقدير الذات أحيانا. أخطر مايوجه بلادنا بعد مائة عام على تأسيسها هو أن يفقد المواطن الشعور بالدولة. الدولة هي الهوية، وعلى أساس هذا الفهم تمكن الأردنيون من مختلف الأصول من الانصهار في مجتمع واحد متعدد الثقافات والمعارف.
ليس لدي معلومات تفصيلية عن برنامج الدولة للاحتفال بالمئوية. قيل ان هناك لجنة رسمية تعد برنامجا لهذه المناسبة. جائحة كورونا أعاقت ورشة العمل دون شك. لكن الاحتفالات على أهميتها ليست هي الهدف المنشود في هذه المناسبة.
المطلوب أن نجعل من ذكرى المئوية الأولى محطة للتفكير بما ينتظرنا من تحديات وطموحات في المئوية الثانية، نقف من خلالها على عناصر القوة والضعف، والمخاطر التي تهدد مجتمعنا وكياننا، وهي اليوم داخلية بامتياز، على قدر ما في الإقليم من اضطرابات ومشاكل تتطلب يقظة دائمة.
أسئلة كبرى بانتظارنا في المئوية الثانية، ينبغي أن نتفق عليها أولا ثم نشرع في مناقشة إجاباتها. وليس شرطا أن نتفق على إجابات موحدة. المهم أن نتذكر دائما أن الدولة هي خلاصنا ومصيرنا المشترك.