لم يتوقف المشروع الإسرائيلي، خلال كل الفترات التي حكم بها الرؤساء في الولايات المتحدة، إلا أن فترة الرئيس الحالي المنتهية ولايته اتسمت بدعم من نوع مختلف تماما.
في الأردن ينظرون إلى التطورات في الولايات المتحدة، بطريقة حذرة، فالقصة لم تنته تماما، وان كان واضحا فوز رئيس جديد، الا ان الرئيس الحالي، يبعث بمؤشرات خطيرة، حول قدرته على إعادة خلط الأوراق، على صعيد الولايات المتحدة، والعلاقة مع أوروبا، والعلاقة مع إيران، وملف القضية الفلسطينية، ومدى استعداده للخروج من موقعه، دون ان يجر بلاده إلى فوضى عارمة، كما أن الأردن الذي له صلات حسنة مع الرئيس الجديد يتطلع أيضا إلى ان يبني علاقة مميزة مع نائبته، كاملا هاريس، خصوصا، ان كل السيناريوهات محتملة في الولايات المتحدة، والمناخ سيبقى مضطربا حتى يتسلم الرئيس الجديد سلطته بشكل طبيعي.
هناك من يعتقد ان المبالغة فيما سيفعله الرئيس الجديد للقضية الفلسطينية، مبالغة قائمة على تعهداته خلال الحملة الانتخابية، وليس لقدرته المطلقة على تغيير برنامج سلفه، وقد قال الرئيس الجديد في شهر أيلول خلال حملته في حفل نظمته منظمة جي ستريت، إن ..”على إسرائيل التوقف عن توسيع المستوطنات في الضفة الغربيّة، ووقف الحديث عن الضم والسعي للنهوض بحل الدولتين، وإن الضم اليوم ليس على الطاولة لكن لا أعلم إلى أي مدى هو بعيد عن طاولة نتنياهو وتوجهاته”، وأضاف الرئيس في شهر أيلول قبيل فوزه انه سيعارض الضم إذا فاز بالرئاسة، وسيجدد الحوار مع الفلسطينيين، ويعيد الدعم المادي مع الأخذ بالحسبان القانون الأميركي، وسيفتتح مجددا قنصلية بلاده شرقي القدس، وأن حل الدولتين هو الطريق الوحيد لضمان حق الفلسطينيين بدولتهم من جهة، ولأمن إسرائيل على المستوى البعيد من جهة أخرى، قائلا أن خصمه في الانتخابات الرئيس الأميركي الحالي، زعزع قضية تقرير المصير للفلسطينيين، ويعمل على تقويض الأمل بحل الدولتين.
حسنا، هذا هو الكلام، وأيضا سيكون له تصورات أخرى بشأن إيران، قد تقترب من استرضاء الأوروبيين، والعودة للاتفاق النووي مع إيران، وقضايا متعددة في هذه المنطقة، والملف الإيراني هنا، ملف إقليمي ودولي، يترك أثرا على كل دول المنطقة العربية.
في حالات سابقة، لم يلتزم رؤساء أميركيون بكثير من شعاراتهم وبرامجهم، أو قاموا بالالتفاف عليها، ونحن في هذه الحالة تحديدا، أي حالة الرئيس المقبل، سنقرأ لاحقا، عن عملية استقطاب هائلة سيتعرض لها الرئيس الجديد، وضغوط كبيرة، لمنع حدوث تحولات كبرى في سياسات الولايات المتحدة، بشأن القضية الفلسطينية، وإيران، أيضا، ولا ننسى هنا ان الجمهوريين، لديهم تأثير كبير داخل الكونغرس، ولا يمكن اعتبارهم خارج اللعبة، لمجرد هزيمة رئيسهم.
مناخ الحذر والترقب في الأردن، يعود إلى اعتبارات كثيرة، أولها عدم انتهاء أزمة الانتخابات في أميركا، وثانيهما معرفة الأردن ان صلاحيات أي رئيس ليست مطلقة، وثالثها وجود مؤسسات اميركية تؤثر على القرار في الولايات المتحدة، كما ان الانقلاب في السياسة الأميركية مرة واحدة، قد لا يكون متاحا بالطريقة التي يتصورها كثيرون، وما هو اهم هنا مدى استعداد إسرائيل للتجاوب مع سياسات الرئيس الجديدة بشأن القضية الفلسطينية.
هذا يعني ان التحليلات في الأردن، تضع في حسبانها تنفيذ إسرائيل لمخططاتها بشكل منفرد، دون تغطية أميركية كاملة، وقد تتجاوب جزئيا، مع بعض الطلبات الأميركية، الا ان موجة التفاؤل المطلق بالرئيس الجديد، قد تكون تراجعت، لحسابات عديدة من بينها معرفة الأردن ان إسرائيل تمكنت دوما من حصد المكاسب من كل إدارة جديدة بوسيلة مختلفة، وواصلت أيضا مشروعها دون ان تتوقف، من الاستيطان الى مصادرة الأرض، وصولا الى بقية السياسات.
لكن يبقى الأمر المؤكد، أي ان الأردن الآن يشعر بأن الضغط الأميركي سيكون اقل عليه، وانه سيعاود التنفس، وقد يتمكن من استرداد دوره الإقليمي، بشكل أفضل، وهذا أمر لم يكن قائما خلال العامين الفائتين، حيث مر الأردن بفترة حرجة للغاية في علاقته مع الأميركيين.