ضبط السلاح.. دون أوهام

 

ليس لدينا أوهام فيما يتعلق بظواهر مثل اقتناء الأسلحة بكل أنواعها أو البلطجة وفارضي الإتاوات. مثل هذه الظواهر ملازمة لمجتمعتنا ولغيرنا في دول العالم على اختلاف مستويات تطورها.
لا يمكن لمثل هذه الظواهر أن تختفي، وجميعنا يذكر رد الفعل الحكومي على ظاهرة الأسلحة النارية قبل مدة وجيزة. بالنتيجة المناقشات حول تقييد حرية امتلاك الأسلحة انتهت دون الوصول إلى قرار حاسم.
الأمر الذي أثار غضب الناس في الأيام الماضية هو تحدي جمهور الفائزين بالانتخابات لأوامر الدفاع وحظر التجول، وجاء استخدام الأسلحة على نطاق واسع ليزيد من هذا الغضب. وكما الحال أيضا مع ظاهرة البلطجية، فجريمة فتى الزرقاء الوحشية هي التي أشعلت النار في صدور الأردنيين والمسؤولين.
لن يختفي البلطجية من حياتنا، ومثلها الأسلحة، لكن مسؤولية القائمين على تطبيق القانون، هو إبقاء هذه الظواهر الشاذة في حدودها الدنيا، وكبح جماحها كلما تجاوزت المعدل الطبيعي.
هنا تكمن أهمية المتابعة المستمرة في الميدان، كملاحقة مهربي السلاح وكسر حلقات التعاون مع مجرمين آخرين، وقطع الطريق على الواسطات لتخفيض عقوباتهم أو إفلاتهم من العقاب. والأهم من ذلك الحؤول دون وجود خطوط اتصال بينهم وبين بعض المسؤولين في حلقات القرار الميداني أو السياسي.
في ظاهرة البلطجة حدث مثل ذلك مرارا، وشهدنا على تحالفات وثيقة بين مستويات من المسؤولين والزعران، وتكونت حالة من تبادل المصالح بين مختلف الأطراف،على غرار عصابات المافيا في الدول.
يمكن تغليظ العقوبات في قانون الأسلحة والذخائر، ولا بد من فعل ذلك بأسرع وقت، لمنع اقتناء الأسلحة الأوتوماتيكية والمتفجرات، وتقليص صلاحيات الاقتناء والحمل. سيكون لمثل هذه الخطوات التشريعية أثرها على المدى البعيد، لكن الرشاشات لن تختفي بين ليلة وضحاها، والتهريب لن يتوقف أبدا. المهم أن نفعل سلطة القانون لمعاقبة كل من يخرق القانون، وتنظيم حملات مستمرة لضبط السلاح المهرب. كل هذا سيفضي في النهاية إلى الحد من انتشارها، وترهيب المتاجرين فيها.
هذا ليس بالأمر الصعب على الأجهزة المعنية، فهي قادرة دائما على الوصول لكل الأماكن وتحديد هوية الفاعلين في سوق الأسلحة وردعهم.
فارضو الإتاوات أقل شأنا من تجار الأسلحة، إذ يتركزون في المدن الكبرى ويعملون بشكل شبه علني في الشوارع، ولايحتاج الوصول إليهم إلى عناء كبير.
الجوهري في الأمر كله هو أن تدرك كل جهة مسؤولياتها في تطبيق القانون، بوصفه مهمة دائمة وليست حملة موسمية تنتهي بانتهاء الحادثة، أو مجرد ردة فعل على حادث عارض أقلق المجتمع والدولة.
في السنوات الأخيرة تضاعفت تجارة الأسلحة المهربة والمخدرات في الأردن بفعل الظروف الأمنية التي سادت في المنطقة، وانهيار الجيوش الوطنية وسيطرة جماعات مسلحة على حدود بعض الدول. كميات هائلة من الأسلحة تنقلت بسهولة بين الدول وكان لنا منها نصيب وافر. وهذا ما أدى إلى وفرة كبيرة في السوق تجلت مظاهرها في انتشار كثيف لمختلف أنواع الأسلحة.
كافحت قوات حرس الحدود بضراوة هذه الظواهر وضبطت أطنانا من المخدرات على مدار السنوات الماضية وشحنات كبيرة من الأسلحة. لكن كان بإمكان المهربين دائما توفير طرق آمنة لتمرير بعض الشحنات.
يمكن إعادة الأمور إلى نصابها الطبيعي وذلك لن يتحقق إلا بخطة طويلة الأمد لتحجيم سوق الأسلحة بعد أن تضخم في السنوات الأخيرة، وضبط أكبر قدر ممكن من القطع، كي لاتخرج الأمور عن السيطرة.

أخبار أخرى