ربحنا الانتخابات وخسرنا النيابة

 

ألقت أزمة كورونا بظلال ثقيلة على النيابة والنواب، بعد عملية انتخابية ناجحة بكل المقاييس، حفظت القواعد الصحية المطلوبة، انهار كل شيء في الشارع، ولم تصمد أوامر الدفاع أمام ثقافة المجتمع والمحتفلين بالفوز.
الغضب عم البلاد من مظاهر الانفلات المسلح وتحدي حظر التجول ليلة إعلان النتائج الأولية، فتحركت الأجهزة الأمنية لاحتواء الحالة المتدهورة، لكن بعد فوات الأوان. كانت فيديوهات”الطخطخة” قد غزت مواقع التواصل الاجتماعي وشاشات التلفزة المحلية والخارجية، كان اختصارا مؤذيا لصورة وسمعة الأردن.
مجلس النواب الجديد يستهل عهده بهذه الصورة المؤذية، عشرات النواب يلاحقهم القضاء، بعضهم تم توقيفه فعلا وخرجوا بكفالات عدلية، وقبلهم دزينة من المترشحين الفائزين كان قد تم إحالتهم للمدعي العام بتهمة شراء الأصوات.
يؤسفنا قول ذلك، لكنها الحقيقة، فالمال سجل انتصارا مدويا في الانتخابات كما الحال في دورات انتخابية سابقة. بذلت الهيئة المستقلة للانتخاب جهودا مضنية لمحاربة الظاهرة، أحالت العشرات إلى القضاء، وتابعت كل شكوى وردتها بهذا الخصوص، لكن الهيئة تبقى مؤسسة معنية بإدارة الانتخابات ولا تملك قوة أمنية لمطاردة المتورطين.
الأوساط الاجتماعية المنكوبة بأزمة كورونا وتداعياتها الاقتصادية تورطت في ظاهرة شراء الأصوات، ومترشحون من أصحاب البزنس ليس لديهم من بديل للنجاح سوى شراء الأصوات.
المسرح كان معدا لهذا الصنف من النيابة. الحياة السياسية والحزبية في البلاد شبه غائبة إلا من القليل، والعقل السياسي للمؤسسة الرسمية معطل ومنهمك في لعبة التوازنات الاجتماعية وتمرير المرحلة الصعبة.
هناك استثناءات بالطبع، تتمثل بفوز عدد من الشبان الجدد المندفعين للخدمة العامة، لكن هؤلاء سيضيعون وسط الزحام والقامات الكبيرة تحت القبة.الوجوه التقدمية غابت عن المجلس، والأحزاب باستثناء حزبين لاوجود لها في البرلمان الجديد، وحصة القانونيين وخبراء المالية العامة شحيحة في قائمة الناجحين.
مائة وجه جديد تحت القبة، هذا أكبر تغيير يحصل على تركيبة المجلس، لكنه تغيير في الشكل ليس إلا، النوعية ذاتها، فالأغلبية من المستقلين المحكومين بمصالح خدمية ضيقة لمناطقهم وعشائرهم، ومصالحهم الشخصية.
المجلس برمته من طينة المجالس السابقة، حملته أدنى نسبة اقتراع وحاصرته الاتهامات والشبهات قبل أن يلتئم. النخب السياسية الفاعلة قصرت في أداء واجبها، لم تقم بالدور المطلوب، هذا صحيح دون شك، لكن قواعد اللعبة الانتخابية صارت عبئا على العملية الانتخابية ومخرجاتها.
الانتخابات ونتائجها تستدعي وقفة تقييم عميقة، وصولا إلى بلورة خطة إنقاذ للحياة السياسية والبرلمانية. لا بد من مراجعة التشريعات وواقع الأحزاب، موقف الدولة ومؤسساتها من العملية السياسية في البلاد وأسلوب ممارسة السلطة التنفيذية لدورها.
ينبغي علينا أن نسأل الأسئلة الصعبة ونعيد تعريف العلاقة بين المجتمع والسلطات، ودور كل منهما في التغيير المنشود.
نتائج الانتخابات بمجملها تعكس واقع مجتمعنا اليوم، لكنها حتما لا تعكس طموح الدولة في التحديث والتطوير. علينا أن نجد المعادلة التي تحقق غايات الدولة، لأن الاستسلام للمعادلة الاجتماعية السائدة لن يمنحنا أفضل من ذلك أبدا.
الوضع القائم غير قابل للاستمرار ولا يبشر بالخير. للحديث بقية.

أخبار أخرى