تحت صدمة الأخبار المتداولة عن الانتشار الواسع للوباء والزيادة الصادمة لاعداد الوفيات وتسارع تنامي أعداد الوفيات وتوقف الإحساس بالصدمة عند سماع نبأ وصول الفيروس الى قرية نائية أو خيمة في البادية او انهائه لحياة عزيز اصبح الجميع حائرا يبحث عن نظرية قادرة على أن تقدم تصورا يوجه الانسان الاردني الى فهم ما يدور حوله ويشرح ما تقوم به الدولة ويحكي للأفراد ما ينبغي عليهم القيام به.
حتى اليوم لا توجد نظرية واضحة ومتماسكة ومقنعة فقد قلنا مرة ان تجربتنا نادرة ومهمة ويتطلع العالم إلى استيرادها والاستعانة بخبرائنا لتطبيقها وانتقلنا بعدها إلى الحديث عن جاهزيتنا لفتح الاردن مصحة للمصابين وكل من يطلب الشفاء وانتهينا بإرسال بعض أبنائنا للتداوي في مستشفيات لا أحد يحبذ الذهاب اليها، فما الذي حصل ومن المسؤول عما حصل ويحصل؟
في الاردن اليوم لا أحد يأخذ الأرقام التي تدلي بها الاجهزة حول عدد الاصابات بكوفيد 19 على أنها معبرة عن حجم الانتشار ولا عن عدد حالات الإصابة. الارقام التي تتولد من الفحوصات والشكوى لا تشكل إلا جزءا يسيرا من عدد الاصابات الفعلي الذي قد يتجاوز ما نعرف عنه بأضعاف مضاعفة. الرقم الفعلي للإصابات غير معروف تماما لكن ما يصل الى مسامعنا ويقع تحت أنظار فرق التقصي والمختبرات لا يعدو كونه جزءا من الحجم الكلي للإصابات.
بالنسبة للوفيات فإن الأرقام تشير إلى حقائق يصعب إخفاؤها أو التستر عليها. حسب مؤشر الوفيات نحن اليوم اسوأ مما كنا عليه في 22 أيلول(سبتمبر) بمئات المرات. في تلك الأيام كنا نحتفل يوما بعد يوم بوصول الاصابات الى صفر ونحذر من أننا قد نلجأ الى اغلاق إذا ما تجاوز عددها 10 حالات.
الناس الذين يصارعون الخوف ويعيشون القلق يتندرون وهم يستعيدون ذكرى ما كنا عليه ويتأملون ما نحن فيه اليوم في رحلتنا مع الفيروس الذي تفوقنا فيه على اعداد الاصابات في الصين التي يزيد سكانها عنا بحوالي 130 ضعفا.
كوادر الجهاز الصحي الاردني يطلون علينا كل مساء ليضعونا في صورة تطور انتشار وشراسة الوباء الذي اصبح احد الساكنين في البيوت والأحياء يتجول فيها بحرية كبيرة ويختار ضحاياه بسهولة فيفتك بمن يشاء ويكون رحيما سلسا مع بعضهم الآخر.
في الأشهر السابقة على اختراقات حدود جابر والعمري كنا نجلس أمام شاشاتنا مساء كل يوم ننتظر إطلالة وزيري الصحة والاعلام ليقولا لنا ان هناك بضع حالات ظهرت وجرى محاصرتها وعزل من خالطها ويسمي لنا المناطق والبنايات والظروف ونعود الى موائدنا بعد ان يتلو علينا وزير الاعلام تعويذة الحماية ويشمل في دعائه أسرنا واحبتنا والبشرية جمعاء.
اليوم لم تعد الحالة كما كانت عليه، الفيروس الذي كان يخشى الدخول ظاهرا أو متخفيا أصبح خلف دفاعاتنا يسرح ويمرح كيفما يشاء. في القرى والأحياء والمدن والبادية أذاق الفيروس اللعين مرارته للجميع فعمم السعال الحاد ورفع حرارة الجميع واتى على حواس الذوق والشم ولم يترك سريرا شاغرا في مستشفى من مستشفياتنا إلا واشغله.
الأردنيون اليوم يتعاملون مع الفيروس كقدر واقع كل ينتظر دوره ويعتقد الجميع انها مسألة وقت ما لم يكن هناك مطعوم. بعضهم يتخذ إجراءات وقائية صارمة وبعضهم الآخر ما يزال مستهترا ولا يبدي اكتراثا لما قد يلم بالأحبة الذين قد يصابون بسبب الإهمال والتقصير.
من المهم التوقف عن تطبيق النظرية والبرنامج القديم على اوضاع تغيرت كثيرا فالناس يحتاجون الى خطاب واقعي لا إلى كلام لا يقنع حتى من يدلي به.