الانتخابات والديمقراطية العرجاء في الأردن

قضي الأمر، وبعد يومين ستجرى الانتخابات النيابية في الأردن، وكل الدعوات المطالبة بتأجيلها ذهبت أدراج الرياح.
في الأصل كنت وما أزال مع تحديد موعد ثابت للانتخابات كل أربع سنوات مثلما يجري في أميركا، فلا مجال للمماطلة أو التسويف، فهي استحقاق دستوري لا مفر منه حتى ولو كانت الظروف صعبة.
لا أعارض من طالبوا بتأجيل الانتخابات بسبب تفشي فيروس كورونا، ولا اشكك بصدق نواياهم، ولكن لا توجد ضمانات لو اجلت كحد أقصى إلى شهر كانون الثاني (يناير) المقبل ان تكون الأوضاع الصحية أفضل، وكما قال لي رئيس الهيئة المستقلة للانتخاب د. خالد كلالدة «العملية الانتخابية لن تكون بؤرة لنقل العدوى».
التعليمات التي وضعتها الهيئة المستقلة للانتخاب لضمان سلامة وصحة الناخبين والناخبات ممتازة، وهي تضمن التباعد الجسدي وتجنب الملامسة في كل المراحل، ولم يخطئ الكلالدة حين وصف المشاركة بالانتخاب بأنها أكثر أمانا من الذهاب لشراء الخبز أو إنجاز معاملة رسمية.
الخيارات المتاحة بعد حل مجلس النواب ورحيل الحكومة كانت محدودة، وباعتقادي الشخصي أن اجراءها أفضل من إعادة مجلس النواب السابق، أو اللجوء لاستخدام المادة 125 من الدستور وإعلان حالة الطوارئ والأحكام العرفية.
كان رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي جريئا حين «اعتبر ان التعديل الدستوري الذي انجز العام 2011 وقيد صلاحية الملك بتأجيل الانتخابات مقدار ما تقتضي الحاجة هو الذي وضع البلاد أمام خيارات احلاها مر».
مهم ما قاله الرفاعي ويفهم منه دعوته لمراجعة هذا التعديل، وكان هناك حديث عن ذلك في البرلمان الماضي، واللافت فيما كتبه على صفحته بالفيسبوك مطالبته مجلس النواب القادم بإقرار قانون انتخاب جديد يضمن مساحة للأحزاب البرامجية.
لا يقتصر الأمر في المجتمع على الدعوة لتأجيل الانتخابات بسبب تفشي كورونا وتهديدها للسلامة العامة، بل تزيده قوة الداعين لمقاطعة الانتخابات لأنها لا تحدث فرقا وأثرا في الحياة العامة، ومنذ العام 1989 كان البرلمان ظلا للحكومة، وغطاء لتمرير سياساتها التي لا تحظى بموافقة الشارع.
لا أخالف الناس الذين يرون ان البرلمانات الماضية كانت ملهاة ومضيعة للجهد، وهدر للمال، واستخدمت لتزوير الارادة الشعبية، ولهذا فانهم مطالبون اليوم ان ذهبوا لصناديق الاقتراع ان يحسنوا اختيار ممثليهم فلا يعيدوا إنتاج نواب يقدمون مصالحهم على حساب الوطن.
لا اتوقع ان تغير الانتخابات القادمة قواعد اللعبة السياسية، فما زالت الديمقراطية في بلادنا عرجاء وغير ناجزة، وما زالت السلطة لا تؤمن بها خيارا وحيدا للمضي نحو المستقبل لمواجهة التحديات.
مجلس النواب القادم سيدخل في صراعات ومشاكسات مع الحكومات المختلفة، وسيظل يلعب بالهامش ما لم يستعد البرلمان سلطته في الرقابة وولايته الحقيقية في التشريع، وهذا يتطلب بيئة سياسية غير متوفرة الآن.
سأظل متمسكا بالمشاركة السياسية وصناديق الاقتراع كطريق وحيد للتغيير رغم معرفتي بكل الصعوبات، وبدلا من اضاعة الوقت فإنني ادعو لتعديل دستوري يحصر الانتخابات بقوائم حزبية، وعلى ضوء ذلك تجري عملية اعادة بناء قانون انتخاب بحيث تخاض على أساس حزبي فقط، والمقاعد للأحزاب الفائزة وليست للأشخاص، ومن يخرج من الحزب بعد فوزه يخسر مقعده، وتلغى كوتا المرأة، وتستبدل بقوائم مناصفة بين الرجال والنساء.
هذه التغييرات قد لا تحقق النتائج المرجوة في أول انتخابات أو التي تليها، غير انني واثق ان المجتمع بعد ذلك سيهضمها، وقد تكون بداية لتغيير قواعد اللعبة الديمقراطية.

أخبار أخرى