الحظر لا يعني الحبس

 

تتداول الجهات الرسميّة المعنية بإدارة ملف كورونا والوقاية منه فكرة فرض حظر شامل لمدة 21 يوماً لمواجهة الوباء المتزايد انتشاره، وهي بذلك تكرر ما قامت به حكومة الرزاز في منتصف شهر أذار(مارس) الماضي عندما فرضت حظراً شاملاً لمدة تزيد على الشهرين في الوقت الذي كانت الإصابات لا تتجاوز عددها أصابع اليدين.
الحظر الذي تقوم به الحكومة سواء أكان شاملاً ام جزئياً هو نوع من أنواع الحبس للمواطنين، والإغلاق بالنسبة للمنشآت الاقتصاديّة يعني دماراً كبيراً لا يمكن ان تقوى القطاعات التي باتت غالبيتها متعثرة على مقاومته.
البنك المركزيّ الأردنيّ من أوائل المؤسسات التي أدركت خطورة العلاقات والحظر الشامل، فبادرت في بداية الأزمة إلى توفير إجراءات وحزم ماليّة متكاملة لإنقاذ الشركات وتوفير السيولة لها للمحافظة على استمراريتها والعاملين فيها، وأخيراً وجّه البنوك بتمديد مهلة اعفاء المستفيدين من قروض النافذة التمويلية لإدراكه تعثر الغالبية من هذه النافذة الذين حصلوا على قروض لدفعها رواتب او لشراء مدخلات انتاج، ومع ذلك لم تتطور او تنموّ أعمالهم بسبب التداعيات العميقة التي تركها الوباء.
اليوم الاقتصاد الوطنيّ ما زال يعاني تداعيات إغلاق شهر أذار (مارس)الماضي، وباختصار استطيع ان اقول ان هذه الاثار لن يتمكن الاقتصاد من معالجتها خلال المدى القريب والمتوسط ، ففي الشهرين اللذين تم إغلاق الاقتصاد فيهما تقريبا، خسرت الخزينة أكثر من مليار دينار رسوم غير ضريبيّة، ونمت النفقات الموجهة للمجهود الصحي بأكثر من 500 مليون دينار، إضافة إلى تنامي مخصصات الرعاية الاجتماعيّة المختلفة، والمحصلة ان العجز سيرتفع إلى ما يقارب 2.25 مليار دينار.
المستفيد من الحظر الشامل هم موظفو القطاع العام فقط الذين يجلس غالبيتهم في منازلهم ويتقاضون رواتبهم كاملة كما حصل في الحظر الاول، حيث التزمت الحكومة بدفع كامل رواتبهم، مما كلفها اقتراضا داخليّا بقيمة 1.3 مليار دينار في الفترة ما بين أذار(مارس) وآيار(مايو)، فهل ستعيد الحكومة هذا السيناريو من جديد؟
وهل تقوى الخزينة اليوم على اقتراض رواتب شهر كامل بقيمة 580 مليون دينار لدفعها للعاملين في الدولة، وهم في بيوتهم.
اما القطاع الخاص فلا بواكي له، التوجّه الحكومي كان واضحا تحت شعار “اذهب انت وربك فقاتلا “، فغالبيته حرم من العمل والانتاج ، في المقابل منه من اعاد هيكلة انشطته، وحظر عليه تخفيض الرواتب الا وفق معادلات معقدة زادت الاعباء عليه بشكل كبير، وتحمّل وحده فشل الإدارات الرسميّة في إدارة الملف الوبائي وتداعياته الاقتصاديّة، ومع ذلك لم تقدم الحكومة تعويضا له، ومع كُلّ ذلك فهو مطالب بتوفير كُلّ مستلزمات الأمن المعيشيّ دون أي نقصان.
الحظر الشامل دمار اقتصاديّ شامل وهو نوع من الانتحار الاقتصاديّ، وهو غير مطبق بهذا الشكل سوى في المملكة، والكل يتساءل عن النموذج المتبع في الاردن ومن الجهة التي استنسخت هذا النموذج العجيب؟
كُلّ دول العالم حظرت التجمعات وليس للاقتصاد الذي لم تقم أي دولة بإغلاقه، فنموذج الحبس الموجود في الحظر الشامل المحليّ غير موجود في أي من دول العالم التي تحرص على الرعاية الصحية مع استمرار العجلة الاقتصاديّة لديها، فالمصانع والمحلات كلها تعمل بأسس واضحة وعملية مرتبة ودقيقة مع إغلاق لبعض التجمعات التي ممكن ان تزيد من انتشار الكورونا، وغير ذلك فالحالة طبيعية مع أخذ المزيد من الوقاية الصحية، ولنا في الحظر الاول أوضح النتائج والعبر، ولا ننسى ان كلفة الاغلاق ليوم واحد تعني خسارة بقيمة 132 مليون دينار للقطاعين العام والخاص معا.

أخبار أخرى