عبدالرحمن البلاونه
أيام معدودة تفصلنا عن الانتخابات النيابية للمجلس التاسع عشر، في ظل ظرف صحي استثنائي يتمثل بجائحة كورونا التي اجتاحت العالم بأسره، وكان لمملكتنا نصيب منها، بعد أن تفشى الفيروس بشكل كبير في الأيام الاخيرة التي تسبق يوم الاقتراع، مشكلة تحدي كبير أمام الناخبين وخاصة الذين يتخوفون من انتقال عدوى هذا الفيروس في حال مشاركتهم في هذه الانتخابات، وهم يرون أنه حق دستوري وواجب وطني، لإفراز مجلس قوي.
بعيداً عن المجاملات، يرى المراقب للبيانات والبرامج الانتخابية للمرشحين، أن هناك مبالغة في هذه البيانات التي توحي أن جميع المرشحين قد رشحوا انفسهم ونذروا حياتهم لخدمة الوطن والمواطن، والحقيقة وإن كان البعض منهم ينوي تقديم الخدمة كما وعد، فلا يخفى على أحد، كبير أو صغير، أن الهدف الأول لمن يترشح لمجلس النواب وينفق مئات الآلاف من الدنانير، ويبحث عن رضى أشخاص وفئات، لم تكن ضمن اهتماماته، هو البحث عن امتيازات ومصالح شخصية، من وضع اجتماعي، وحصانة دبلوماسية أولاً، للحصول على ما يريد من منافع خاصة، وليجد الطرق الامثل ليعيد أضعاف ما أنفق في حملته الانتخابية.
مع ذلك ورغم معرفة الجميع بهذه الحقيقة، إلا أنه لا بد من وجود مجلس نيابي يحمل على عاتقه مسؤولية وضع التشريعات الناظمة للحياة واقرارها، اضافة إلى الدور الرقابي على أعمال الحكومة، التي تعمل على اضعاف دور المجلس، بما تقدمه من امتيازات، وخدمات خاصة لبعض النواب، الذين يؤيدون ويبصمون على جميع قراراتها ويمنحوها الثقة مقابل ذلك، متجاهلين وعودهم التي قطعوها قبل جلوسهم تحت قبة البرلمان.
اقتربت ساعة الحسم، ومن هنا يأتي دور المواطن ، ويبرز مدى وعيه، وحرصه على مصلحة الوطن، وأبناء الوطن، من خلال اختيار النائب الكفؤ، الصادق، القوي، الأمين، الذي يملك الجرأة في قول الحق، والقادر على الوقوف أمام تغول الحكومات على المواطنين، وعلى المواطن أن لا يبيع ضميره مقابل مبلغ مالي، ولو كان بآلاف الدنانير، لأن ذلك هو خيانة للوطن، وشهادة زور سيُحاسب عليها بين يدي الله، و أن يبتعد عن اختيار الاشخاص الذين ينبطحون بأحضان الحكومة بسهولة للحصول على منافع شخصية وخاصة، وأن لا يجامل أحد على حساب مستقبل الوطن ومستقبل أبناءنا.
ان افراز مجلس قوي قادر على تحقيق آمال وتطلعات الشعب، وحماية مصالحه الوطنية العليا، هو ثمار يانعة لشعب ومجتمع راقي و واعي وقوي، وأن افراز مجلس منبطح وهزيل ما هو إلا نتاج مجتمع وشعب منبطح وهزيل، لندرك هذه الحقيقة، ونبتعد عن ” الفزعات” القبلية والمناطقية، ونتوجه بعقولنا وقلوبنا إلى الأكفأ والأجدر بحمل المسؤولية، وأن لا نُلدغ من نفس الجحر مرتين.