مراجعة استثنائيّة مع الصندوق

 

جائحة كورونا قلبت سلباً كُلّ فرضيات ميزانية 2020 والخطط المستقبليّة. رغم ذلك فالمراجعة الأولى لبرنامج التصحيح مع صندوق النقد الدولي هذه المرّة استثنائيّة بكُلّ المقاييس، ولم تعد لغة الأرقام هي المسيطرة على العلاقة بين الطرفين، بل بات واضحا ان هناك علاقة استراتيجيّة وتفهماً من الصندوق لأهمية دعم الاقتصاد الأردنيّ وتوفير أدوات مرنة جديدة له تمكنه من التعاطي مع المعطيات المستجدة.
المراجعة الأولى مع الصندوق التي انتهت كانت بمثابة إعادة النظر بكُلّ مؤشرات البرنامج السابق الذي تم إقراره أصلاً في ظل جائحة كورونا وانتشار الفيروس والإغلاقات التي تمت على الاقتصاد الوطنيّ.
ثلاثة محاور في غاية من الأهمية تم ترسيخها في المراجعة الأولى مع الصندوق أسست لهدف إصلاحيّ مهم مع نهاية الفترة وهو تخفيض المديونية إلى حدود الـ 80 بالمائة من الناتج المحليّ الإجماليّ، علما ان الآلية الجديدة كانت لاحتساب الدين المتفق عليها مع الصندوق والتي تستثني ديون الضمان التي وصلت نسبة الدين الى حدود 88 بالمائة من الناتج المحلي الإجماليّ، وبالتالي هناك فرصة لتقليل هذه النسبة الى دون ذلك في حالك استمرت الحكومة في ذات النهج المتفق عليه مع الصندوق والذي يتلخص في: المحور الأول المتعلق بدعم عمليات الإصلاح الضريبيّ وتعزيز كُلّ وسائل مكافحة التهرّب الضريبيّ وتجنبه مع توسيع قاعدة المكلفين، وهذه حققت ناجحاً كبيراً في الأشهر الماضية مدعومة بأرقام نموّ في التحصيلات الضريبيّة فاقت الـ 10 بالمائة خلال الشهور والأعوام الأولى من هذا العام، وهي ما جعلت الصندوق يثني على قرارات الحكومة ويؤكد دعمها لها في هذا الموضوع الذي طالما كان يشكل احد ابرز الاختلالات الماليّة في الخزينة والسياسات الاقتصاديّة الرسميّة.
المحور الثاني متعلق بالشفافية ومحاربة الفساد والتطور التشريعيّ الذي طرأ على قانون هيئة مكافحة الفساد وكيفية الإسراع في استرداد الأموال بسرعة وفق قانون الجرائم الاقتصاديّة وتعزيز مسألة التسويات مع تأكيد اهمية التعديلات التشريعية على قانون الكسب غير المشروع والذي سيكون محط أنظار ومراقبة لتفيده بالشكل المطلوب خلال المرحلة المقبلة.
المحور الثالث متعلق بمواصلة الإصلاحات الهيكليّة بهدف تعزيز تنافسية الاقتصاد الوطني خاصة في مسألة تخفيض كُلف الإنتاج مثل الطاقة التي شكلت عاقبة رئيسية في السنوات الماضية في تعزيز بيئة الأعمال وتنافسيتها، لذلك سيكون هناك في المرحلة المقبلة تطورات إيجابيّة ومتفق عليها ضمن أهداف البرنامج مع الصندوق لتقليل كُلف الطاقة على القطاعات الاقتصاديّة المختلفة.
المراجعة الأولى أفضت إلى تقديم الدفعة الثانية من التسهيلات والتي تبلغ ما قيمته 140 مليون دولار تقريباً، إضافة إلى ذلك ستوفر دعما إضافيّا من خلال عدة جوانب أهمها تقديم دفعات التسهيلات المقررة من جهة، وتعطي شهادة حسن سلوك إيجابي للاقتصاد الأردني مع المانحين والدول الصديقة والمؤسسات الدوليّة، فهناك منحة معلقة من اليابان بقيمة 100 مليون دولار من المرجح ان تصل في القريب العاجل بعد المراجعة.
المراجعة الأخيرة مهمة وإيجابية للغاية بالنسبة للأردن، لأنها توفر مساحة كافية جديدة مع المانحين بفائدة اقتراض متدنية تمكّن الحكومة من إحلال أية قروض جديدة محل قروض ذات فائدة مرتفعة، كخطوة أولى لتخفيض خدمة الدين والتي تستنزف من الخزينة ما يقارب ال 1.546 مليون دينار، وهذه أولى خطوات المعالجة السليمة للمديونية وتقليلها إلى الهدف الرئيسي للمراجعة الجديدة للبرنامج الذي يهدف إلى تخفيض المديونيّة الى ما دون ال 80 بالمائة.
المراجعة الأخيرة فرضت واقعية جديدة على مؤشرات المرحلة المقبلة مدعومة بنظرة تحوطيّة رسختها سلوكيات وزارة الماليّة التي باتت اليوم اكثر حذراً في تعاطيها مع أيّة مؤشرات مستقبليّة، وهذا كان واضحاً في إعادة النظرة لتقديرات النموّ التي أعاد الصندوق نظرته من نموّ سالب بمعدل 5 بالمائة مقابل انكماش 3 بالمائة، في حين كان الاتفاق إيجابيّ حول وتصورات النموّ للعام المقبل التي من المرجح ان يبلغ النموّ فيها مع بقاء المؤشرات على حالها ما نسبته ال2.5 بالمائة، وهي نسب نموّ متحفظة اذا ما اخذ بتطورات الوضع الضريبيّ وزيادة الإيرادات الناتجة عن الإصلاح.
ما حدث في المراجعة الأولى مع الصندوق هو حصيلة جهود استثنائيّة للحكومة ممثلة بوزير الماليّة وطاقم الوزارة والبنك المركزيّ الذين استطاعوا فعلا تحويل العلاقة مع الصندوق الى علاقة واستراتيجيّة حيوية بعيدة عن لغة الأرقام.

أخبار أخرى