غير مفهوم من الناحية الاقتصادية تعيين وزير لشؤون الاستثمار في ظل وجود هيئة الاستثمار والمناطق التنموية، وكأننا أمام مرجعية جديدة للاستثمار بدلا من إبقائها في إطارها القانوني وهو الهيئة.
وجود وزير للاستثمار هو تكرار لذات المشهد عندما تم تسمية وزير لشؤون الاستثمار في حكومة الملقي، مع فارق أن وزير الاستثمار فيها كان بنفس الوقت رئيسا لهيئة الاستثمار، وعندما تم إجراء التعديل الأول على الحكومة تم إلغاء وزير الدولة لشؤون الاستثمار وبقي ذات الوزير السابق رئيسا للهيئة، فماذا يعني ان تعيد حكومة الخصاونة منصب وزير دولة للاستثمار؟.
التفسير الأول ان الحكومة غير راضية عن أداء هيئة الاستثمار وان استقلاليتها بهذا الشكل القانوني يبعد القرار النهائي والتفصيلي عن أروقة المجلس، وبالتالي لا بد من عودة الهيئة إلى حضن المجلس رغم ان قانون الهيئة يربطها مباشرة بالمجلس وقراراتها فيما يخص الإعفاءات والحوافز تمنح بعد موافقة المجلس.
التفسير الثاني قد يتعلق برغبة قوى نافذة بإضعاف هيئة الاستثمار التي باتت بحكم القانون المرجعية الوحيدة للعملية الاستثمارية بعد ان كانت هذه العملية الاستثمارية تراوح بين أدراج عدد من المسؤولين في مختلف الوزارات ومؤسسات القطاع العام والتي كانت تتصارع فيما بينها حول عمليات جذب الاستثمار والتعامل مع المستثمرين، لدرجة أننا كنا نشاهد جهودا رسمية مبعثرة ونتائج متواضعة في الاستثمار، وكانت دكاكين الاستثمار منتشرة في القطاع العام إلى ان اتت هيئة الاستثمار للوجود وألغت كافة أشكال التبعثر الحاصل.
تفسير ثالث لوجود وزير دولة لشؤون الاستثمار هو ان مسألة الاعفاءات التي تم حصرها بموجب قانون الاستثمار وإلغاء كافة أشكال الحوافز والاعفاءات لأي مشروع خارج إطار قانون الهيئة جعل بعض القوى المتنفذة تنتقد سياسة حصر الإعفاءات والامتيازات بهيئة الاستثمار، والمحاولة من جديد للضغط على الحكومة لاختراق الهيئة من خلال الوصول مباشرة لمجلس الوزراء دون الرجوع للهيئة.
قبل أعوام قليلة كانت عمليات منح الإعفاءات للمستثمرين مزاجية وخارج إطار العمل المؤسسي، فالمستثمر الذي يعرف وزيراً في الحكومة أو مسؤولا متنفذا كان طلبه يصل بسرعة لمجلس الوزراء، إلى أن جاءت هيئة الاستثمار وألغت كُل اشكال التعاطي الاستثماري غير المؤسسي وغير القانوني، وأسست لمرحلة وشكل جديد من العمل الرسمي في بيئة الاستثمار.
إذا كانت الحكومة ترى بان هيئة الاستثمار لا أهمية لها وان الأمر يتطلب وصيا عليها أو مرجعية جديدة لها من خلال وزير الدولة لشؤون الاستثمار فمن الافضل إلغاء الهيئة وتحويلها إلى وزارة كما هو في العديد من الدول، وتسليم حقيبة الاستثمار فعليا لوزير الدولة من أجل توحيد المرجعية القانونية والمؤسسية للعملية الاستثمارية بدلا من ارجاعها للمربع الأول حيث التشتت وغياب العملية المؤسسية الواضحة في إطارها القانوني.
اقتصاديا، في الأردن لا نملك ترف الوقت لتحويله مختبرا اقتصاديا بمزيد من التجارب بخلق المسميات والمؤسسات لجذب الاستثمار، وكأننا دولة تأسست أمس وليس عمرها 100 عام، فكل ما يحتاجه المستثمر هو مرجعية واحدة في التعامل مع مشروعه الاستثماري وليس عليه ان يتنقل بين مكاتب الوزراء للحصول على طلبه، كُل ما في الأمر ان الحكومة مطالبة بتعزيز ما يسمى بالنافذة الاستثمارية في الهيئة ومنح الصلاحيات الكاملة لمفوضيها من أجل إنجاز المعاملات الاستثمارية بدلا من تركها لمزاجية المسؤولين والقوى النافذة.