لكي لا نختبئ خلف الفيروس

 

بيانات انتشار الوباء في الأردن خلال الأسابيع الأخيرة برهنت على أننا لا نختلف عن غيرنا من دول الجوار في أعداد الإصابات ولا معدل الوفيات، وكل ما حصل أننا تأخرنا قليلا بالسماح له بالدخول، وربما أن معاملة حصوله على الإذن للدخول تعطلت قليلا كما تتعطل بعض المعاملات لأسباب متنوعة.
اليوم، أصبح الوباء حقيقة واقعة يمكن أن يواجهها أي منا في أي لحظة وفي أي مكان. لم تعد الطفيلة ولا الرويشد والأغوار في منآى عن الوباء، فالكل عرضة لأن يصاب أو يفقد عزيزا دون أن يتاح له فرصة الوداع اللائق.
الحديث عن الإجراءات النوعية والتجربة الأردنية المتميزة في التصدي للوباء جزء من أدبيات الأشهر الأولى ولم يعد استخدامه مقنعا لأحد. الذي تبنته الحكومة السابقة وبرمجت سلوك الجمهور والمؤسسات حوله خطاب لم يعد مجديا ولا يجد قبولا لدى الكثير من المتابعين في الداخل والخارج. الأوضاع الصحية والصورة الذهنية للوباء تغيرت كثيرا عما كانت عليه في منتصف آذار وحتى نهايات حزيران. منذ مطلع الصيف حدثت أشياء كثيرة، فقد خاضت أجهزتنا الصحية والإدارية معارك صغيرة وجانبية معزولة مع الوباء فتغلبت عليه ومحت آثاره في إربد والخناصري والرمثا وماركا قبل أن يتسلل لنا أو يهرب لنا عبر جمارك الحدود في جابر والعمري ويصل الى كل مدينة رئيسية في المملكة وتتسع رقعة الانتشار ويضطر سعد جابر ﻷن يتوقف عن عرض الإصابات حسب التصنيفين الخارجي والداخلي اللذين اعتاد عليهما.
الخريطة الجديدة لانتشار الوباء وتفاقم الأوضاع تحتاج الى نظرية جديدة تستند الى المعرفة العالمية المتوفرة وتأخذ بعين الاعتبار التجربة الأردنية في الوقاية والمنع والعلاج. التركيز على الفحوصات والتقصي إجراء مهم، لكن الأهم اليوم إرشاد الناس الى كيفية التعامل مع المرض والأساليب الأنجح للتخفيف من الآلام وتجنب الأخطاء القاتلة.
الأجهزة الصحية والكوادر والإعلام منشغلون اليوم بعرض نتائج التقصي ولا يقولون الكثير عن البروتوكول العلاجي الأردني والطب المنزلي ولا عن إنشاء المزيد من مراكز الإرشاد والتوجيه والمساعدة التي تمكن الناس من الوصول لخدمات إرشادية ونفسية وعلاجية. مع تزايد الإصابات بمتوالية هندسية وتسلق الوفيات لخانة العشرات يوميا لم أسمع عن إنشاء مراكز مساعدة واتصال تجيب عن طلبات المواطن المأزوم بسرعة وتقدم له ما يحتاج من معلومات وإرشادات، بما في ذلك النفسية، وهو يمر بالأزمة ويواجهها في المنزل.
الإدارة الجديدة لملف الوباء تحتاج الى استراتيجية جديدة تقر بوجود الوباء وتخرجنا من وهم أننا قادرون على تطهير المجتمع منه ووقف تقدمه. في الأردن، كما في أرجاء العالم، أصبح الجميع على قناعة أن لا توقف للعدوى والانتشار من دون اكتشاف سببية دقيقة لتشكل الفيروس وأمصال قادرة على تطوير المناعة ومساعدة الجسم على إبادته والتغلب عليه. أهم ما نحتاج له اليوم استبدال الوهم بالحقائق وتوجيه الناس لاستخدام المعرفة المتوفرة لحماية أنفسهم من الإصابة وإدارة شؤونهم إذا ما أصيبوا والتعامل مع الخسارة والحزن عند فقدانهم اﻷحبة.
استمرار العمل باستراتيجية أوامر الدفاع والإغلاقات دون وجود أدلة دامغة على فعاليتها ضرب من التجريب والمحاولات التي قد لا تجدي في وقف الانتشار ولا في وقف تدهور حالة المصابين. من المهم أن يخرج علينا الفريق الحكومي باستراتيجية واضحة تبين لنا الأهداف التي يسعون لها والإجراءات التي سيتخذونها والوسائل والأدوات اللازمة لتمكينهم وأدوار المواطنين في هذه الاستراتيجية ضمن أطر زمنية محددة.
من غير المنطقي أن تبقى الحالات في تزايد مع امتلاك السلطات آليات المنع والحظر والحجر والإغلاق والعزل في أي وقت وفي أي مكان وإذعان الجميع لأوامر الدفاع. باعتقادي أن هناك إجراءات أخرى ينبغي اتخاذها للتأكد من حسن إدارة المرافق ومنافذ الخدمة والتجمعات. المطلوب تخصيص مبلغ لا يقل عن نصف قيمة موازنة الصحة لتدعيم برامجها وتمكينها من الإدارة الفاعلة وتطوير القدرات المؤسسية. بغير ذلك فسنبقى نتبادل التطمينات التي لا تغني ولا تسمن من جوع.

أخبار أخرى