ذهبت صبيحة أمس لإجراء فحص كورونا لغايات السفر، والمئات يقفون على الدور، وكأننا في يوم الحساب المصغر، والذعر يرتسم على الوجه، والقلق في كل مكان، فقد عشنا، حتى شهدنا زمنا صعبا بكل المعايير، تتلفت حولك وحواليك، وتشك في كل واحد.
وكأننا في يوم من أيام الامتحانات العصيبة، تقف على الدور، مذهولا، مستغفرا من ذنوبك، وتتذكر أين ذهبت، ومع من تكلمت، وهل ارتفعت حرارتك، واذا خالطت شخصا بلا كمامة، او إجراءات وقائية، وتقفز في وجهك عشرات القصص، فتحبس انفاسك، وتنتظر نتيجة الفحص، وكأنها نتيجة الثانوية العامة، في زمن بعيد، حين كانت صعبة ومتلفة للأعصاب.
غادرت موقع الفحص، والنتيجة جاءت لاحقا، مبروك لقد نجوت هذه المرة، فتفكر طويلا، لقد نجوت اليوم، فماذا عن الغد، وأين نذهب بحياتنا وبيوتنا، ومتى سوف ينتهي هذا الكابوس، وأين هو الحل بغير حظر اليومين، او الأسبوع او الأسبوعين، بعد الإجراءات الوقائية؟.
قبلها بليلة يحدثني صديق لي، يعيش في لندن، ويروي لي ان المدينة باتت خاوية، مطار هيثرو شبه فارغ، والفنادق لا تعمل الا ما ندر، والمطاعم وأماكن السياحة، تفتقد الناس، والاصابات في بريطانيا وصلت الى العشرين ألف إصابة يوم الأربعاء الماضي، والحكومة البريطانية عادت لتتحدث عن حظر شامل كلي ممتد زمنيا، بما يعنيه ذلك من أضرار على قطاعات واسعة، اقتصاديا، وقد تصحو تلك البلاد بعد شهور على المصارف وقد استولت على الشقق وكل المشاريع المرهونة للمصارف، بسبب خسائر الحظر الشامل الممتد زمنيا.
في الأردن، من الواضح ان هناك آراء مختلفة بشأن الحظر الشامل، وانا هنا اتحدث عن الحظر الشامل الممتد لفترة طويلة، على ذات الطريقة التي عشناها بدايات الوباء في الأردن، فاقتصاد الأردن صغير، ولا يحتمل حظرا شاملا، والخدمات الصحية محدودة، ونظام الدعم الاجتماعي غير قادر ابدا على تمويل كلفة الحظر الشامل.
أيام الحظر الشامل الممتدة لفترة طويلة والتي عشناها سابقا، كانت قاسية، وصعبة، على كل الأردنيين، أيام لا يحب احد فينا تذكرها، خصوصا، انها ترافقت مع ازمات مختلفة، من تأمين رغيف الخبز، وصولا الى حبة الدواء، والكل يتذكر الاضرار التي وقعت على الناس، من عامل المياومة، الى صاحب المطعم، مرورا بالمستأجرين، وسائقي التاكسي وغيرهم.
تلك أيام لا أعادها الله علينا، لكن الازمة التي لا يتم الحديث عنها بشكل واضح، تتعلق بزيادة عدد الحالات في الأردن، وكل رقم جديد، يعني اننا نقترب من تغيرات قد لا تكون محتملة على صعيد التعامل مع الوباء، والدول الغربية التي تخلت عن سيناريو الاغلاق الكلي، عادت وبدأت تفرض إجراءات متدرجة صعبة، بسبب الموجة الثانية من الوباء.
حين تقرأ التصريحات الرسمية وتحللها جيدا، تلتقط عنصرين أساسيين فيها، أولهما ان الحديث عن عدم وجود نية لفرض حظر شامل خلال “الأيام القليلة المقبلة” ، وهنا الحديث عن “الأيام المقبلة” فقط، وليس عن وضعنا اذا تزايد عدد الحالات بعد أسابيع، او شهر، وهذا يعني ان هناك سقفا زمنيا محصورا بعدة أيام فقط، لكن لا احد يعرف ماذا سيحصل لاحقا، اما العنصر الثاني في التصريحات الرسمية، فيضع شرطا واضحا، اذ يقال ان عدم فرض حظر شامل يرتبط بالوضع الوبائي، وتعاون الناس، والجهات المختصة، وكأنه يقال ان عدم الالتزام من جانب الناس، وارتفاع الحالات، سيؤديان الى تغير القرار واللجوء لحظر شامل ممتد زمنيا.
شخصيا وهذا مجرد تحليل، الحظر الشامل الممتد لفترة أسبوع او أسبوعين في الأردن، امر وارد، لكن الحكومة تتجنب النطق به، حاليا، حتى لا تثير أعصاب الناس، وهي كما لاحظنا تعيد الكلام عن ضرورة حماية الناس لأنفسهم، وكأنها تقول لهم، اذا لم يلتزم كل واحد، ولم نعمل معا لخفض عدد الإصابات، فلا يلوم احد فينا سوى نفسه فقط، ومن تسبب بهذا الوضع.
لا نريد حظرا شاملا في الأردن، ولا بأس من أنماط مختلفة من التدابير، فهناك دول اتخذت إجراءات وسطى بين الحظر الشامل الكلي الممتد زمنيا، وبين حالة الاسترخاء الكامل، هناك حلول وسطى يتوجب الوصول اليها، فلا يتضرر الناس في صحتهم وارزاقهم وحياتهم.
الحل ان يغلق كل واحد فينا الثغرات التي قد تؤدي الى تفشي الوباء، وهذا حل سهل، وأرحم بكثير من حلول الحظر الشامل الكلي الممتد زمنيا، فلا حمل لنا، ولا احتمال.
اذا قفزت الحالات نحو اربعة او خمسة آلاف حالة يوميا، فتوقعوا كل شيء.