مطلع الأسبوع الماضي، تشرفت بزيارة عدد من بيوت قرية المبروكة قضاء خالدية المفرق، بعد اتصالات ورسائل وردتني من أهالي المنطقة يشتكون فيها من تعثر أبنائهم في متابعة دروسهم عن بعد، بينما هم يقفون عاجزين أمام تحديات معقدة تواجههم وتفوق قدراتهم للتعامل معها.
حاول الأهالي أثناء اتصالاتهم نقل الصورة إلي بالتفصيل، واعتقدت أنني بالفعل كونت فكرة دقيقة عن المشكلة، لكنني تفاجأت عند زيارتي للمكان بكمّ التفاصيل المؤلمة التي لم يكن من الممكن تخيلها بمجرد الاستماع على الهاتف للروايات الحزينة والغاضبة في آن.
في «المبروكة» هذه القرية التي منحت أهلها من اسمها نصيبا، زرت بيوتا أعياها الفقر، وسلبها التهميش معظم مقومات الحياة الكريمة.
العائلة الميسورة هناك، تمتلك جهازا ذكيا واحدا على الأكثر، يتناوب على استخدامه أفراد الأسرة جميعا بمن فيهم الطلبة أيا كان عددهم، ولديها أيضا قدرة على شراء بطاقة انترنت لا تغطي شبكاته كثيرا أحياء المنطقة.
هذه الميزات، تفتقر إليها معظم البيوت هناك، فضيق ذات اليد يحول دون توفر أجهزة ذكية، وإذا توفر الجهاز فلا إمكانات لشراء بطاقات انترنت تمكنهم من الاتصال بالشبكة لفترات طويلة تكفي جميع أطفال الأسرة الطلاب الذين يبلغ متوسط عددهم أربعة في الأسرة الواحدة.
الكثير من البيوت لا تصله تغطية الشبكة، ومنها ما لا تصله خطوط الكهرباء، وأخرى فصل عنها التيار الكهربائي لتراكم الفواتير غير المسددة، فلم يعد أمام ساكنيها سوى اللجوء لسحب خطوط كهرباء من المنازل المجاورة، بنية رد المعروف لأصحابه حين ميسرة. أمام هذه العقبات يقف الآباء والأمهات، وغالبيتهم أميون أو شبه أميين، عاجزين عن إسداء أي مساعدة لأبنائهم تعينهم على مواصلة تعليمهم ومتابعة دروسهم في ظل قرار التحول للتعليم عن بعد الذي افترض متخذوه على ما يبدو أن جميع سكان المملكة يمتلكون رفاهية توفير جهاز ذكي متصل بالشبكة لكل فرد من أفراد الأسرة.
الواقع بالتأكيد ليس كذلك، فوسط كل هذه الظروف القاسية التي يعيشها أهالي المبروكة ويصعب وصفها في مقال قصير كهذا، يعيش أطفال قذفت بهم ظروفهم وحظهم العاثر خارج نطاق التغطية الخدمية والتنموية، فحرمتهم من الانخراط بالعملية التعليمية خلال فترة الإغلاق، وأطفأت آمال أهلهم الذين ظلوا رغم قسوة عيشهم، يتشبثون بحق أبنائهم بالحصول على التعليم لأنهم آمنوا دائما بأنه طوق النجاة الوحيد الذي سيخرجهم من بئر هذا البؤس المظلم.
تساؤلات الأهالي الحائرين، عن الحواسيب التي وعدت الحكومة بتوزيعها على الطلبة، وعن مصير مناشداتهم الكثيرة للمسؤولين بالالتفات إلى حالهم وتحسين بث شبكات الانترنت لديهم وغيرها وغيرها، أسئلة كثيرة، لم أمتلك لها أجوبة، وهي بالتأكيد أسئلة تتردد في آلاف البيوت الأخرى المنثورة في أطراف المملكة وقراها المنسية.
تواصلت حينها بوزير الاقتصاد الرقمي والريادة السابق مثنى غرايبة قبل مغادرته الوزارة بأيام. نقلت إليه أسئلة الأهالي، واستفسرت عما آل إليه مشروع الحكومة لشراء وتوزيع 300 ألف حاسوب متصل بالإنترنت على الطلبة غير المقتدرين، الذي أعلنت عنه الحكومة منتصف آب الماضي، وعن مدى إمكانية حل مشكلات ضعف او انعدام تغطية الانترنت.
إجابات الوزير كانت صريحة وصادمة في الوقت ذاته، أخبرني أن الوزارة لم تستكمل بعد استلام العروض المالية لعطاء شراء الأجهزة، وأنها قد تستكمل استلامها في الأيام القادمة، مبررا التأخر في العملية بالزيادة الكبيرة في الطلب على أجهزة الحاسوب عالميا. نتيجة لذلك سيتم شراء الحواسيب وتوزيعها على دفعات، مستبعدا أن يتم توزيع الدفعة الأولى منها قبل بداية شهر كانون الأول المقبل.
أما فيما يتعلق بتغطية الشبكة، فتلخصت إجابته بالقول إن هذه المشكلة قديمة، لا يمكن حلها بين ليلة وضحاها، وأن ما يتم في أوقات الأزمات هو تكريس الجهود لحل المشكلات الناتجة عن الأزمة وليس لحل المشكلات القائمة مسبقا.
قد يكون كلام الوزير السابق مقنعا بالنسبة للبعض، وربما يجده المختصون منطقيا، ومن الممكن أن يفهمه الأشخاص المعتادون على بطء الإجراءات وبيروقراطية العمل في المؤسسات العامة. لكن هذا كله لن يفهمه أهالي قرية المبروكة وكل من يعيش ظروفهم. هؤلاء ليس لديهم أي استرخاء لكي يتفهموا هذه المبررات، بينما يراقبون ما تبقى لديهم من أمل يسرق منهم أمام أعينهم، وهم يعلمون جيدا أن كل ما يملكونه هو أحلامهم ودعواتهم أن يكون مستقبل أبنائهم أفضل من حاضرهم.
مقالات ذات صلة