أخيرا بدأت الحكومة باتخاذ إجراءات فعلية على أرض الواقع لمواجهة الارتفاعات الكبيرة بأعداد الإصابات بفيروس كورونا، محاولة منها لتخفيض الخط البياني لانتشاره، ففرضت الحظر الشامل في جميع مناطق المملكة نهاية كل أسبوع، وتعليق دوام المدارس لإشعار آخر، وانتهاج التعليم عن بعد، وهو القرار الذي كانت الحكومة تحاول عدم الوصول إليه حفاظا على الحياة الطبيعية اقتصاديا واجتماعيا.
هذا القرار فتح آفاقا جديدة لأن تصاغ سيناريوهات حول تأجيل الانتخابات لغاية نهاية كانون الثاني (يناير) من العام 2021، بدلا من 10 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، حيث لن يتضح أمر البت في التأجيل إلا بعد الانتهاء من عملية تثبيت القوائم الانتخابية مع انتهاء فترة الترشح رسميا يوم غد الخميس. عندها من الممكن أن يكون هناك قرار بهذا الشأن خلال الأسبوع المقبل.
نعم، إن رسالة التمسك بالاستحقاق الدستوري واضحة وتجلت في حل مجلس النواب واستقالة الحكومة ومن ثم قبول استقالتها، وتكليفها بتصريف الأعمال، للتأكيد على قوة ومتانة الدولة، ومؤسسيتها، واحترامها لدستورها حتى أمام أعتى الظروف وأصعب التحديات، لكن الدولة ذاتها تؤمن أيضا بأن الأمن الصحي للمواطن أولوية عليا، خصوصا إذا ما استمر تفشي كورونا مجتمعيا بمثل هذه الوتيرة لا قدر الله.
المادة 4 من قانون الانتخاب تجيز للهيئة المستقلة التوصية بتأجيل الانتخابات لمدة غير محددة، كما يجوز للهيئة تجميد جميع الإجراءات عند قرار تأجيل الانتخابات. في واقع الأمر ما يهم في عملية الانتخابات لا يتعدى أمرين اثنين؛ الأول هو الترشح وتثبيت القوائم، وثانيا يوم الاقتراع، وبالنسبة للنقطة الأولى فإن ذلك ينتهي فعليا يوم غد الخميس، في حين إن الثانية قد يتم تأجيلها إلى 27 من الشهر الأول من العام المقبل، وما بين ذلك عبارة عن سباق انتخابي يقوده المرشحون ليس أكثر.
ومع احتمالية تأجيل الانتخابات اعتمادا على التطورات الوبائية، يبقى مصير حكومة الدكتور عمر الرزاز وفريقه الوزاري، أيضا، معلقا، إذ تطغى على السطح احتمالية قوية بأن يستمر الرزاز في موقعه رئيسا لحكومة تصريف الأعمال التي كلفه به جلالة الملك لحين اختيار رئيس وزراء جديد.
الملفات متشابكة. الوباء منتشر، وها نحن نبلغ معه مرحلة حتمت على الحكومة إعادة التموضع في التعامل مع انتشاره بهدف تخفيض الارتفاع في أرقام الإصابات والوفيات، والحد من تأثير القرارات الجديدة على قطاعات اقتصادية عديدة لا شك ستطالها تلك التأثيرات، خصوصا مع هبوط المنحنى الاستهلاكي لدى المواطن خلال جميع أشهر الأزمة بسبب ضعف حركة الشراء لدى الناس، وتخوفهم مما هو قادم على صعيد الوضع الصحي والاقتصادي، لذلك يقول المنطق إنه يتوجب عليها مواصلة عملها قدر المستطاع ولحين بلوغ الزمان المناسب لرحيلها.
إن قرار إجراء الانتخابات أو تأجيلها، أو استمرار الحكومة أو رحيلها، لن يبقى حبيس الأدراج، لأنه سيتخذ لا محالة، لكن ما الذي يمنع من الاستفادة، إلى أبعد حد، من المدد الزمنية الممنوحة وتأجيل الانتخابات من أجل تخفيض احتمالات ازدياد أرقام الإصابات، وبالتالي نكون قد امتلكنا رؤية أكثر وضوحا.
في عالم اليوم الذي نعيش فيه بأحوال غير تقليدية، وفي ظل وباء شامل للعالم كله، وما يخلفه من تداعياته، يبقى كل شيء مجهولا، بينما التكهن به ضرب من الخيال، فأي قرار قد يتخذ الآن قد يكون مدعاة لأن يتغير بعد وقت قصير، والحديث عن بقاء الحكومة وتأجيل الانتخابات، على الأغلب، لم يحسم بعد، لكن لا يضر إن كان خيارا مطروحا، ما دام أنه سيحافظ على أمن المواطن الصحي.