المعروف ان النموّ في الربع الأول كان بمعدل 1.3 بالمائة، والربع الثاني دخل الاقتصاد في مرحلة جائحة كورونا، وتم فرض سياسة الإغلاق والحظر الشامل والجزئي لمدة شهرين تقريباً، وهذه الفترة تراجع النموّ إلى سالب 3.6 بالمائة، علماً ان العديد من الدول في الجوار كانت مُعدّلات الانكماش في اقتصادها تتجاوز ال13 بالمائة كما حصل في بعض دول المنطقة والتي لم تغلق اقتصادياتها كما فعلت الحكومة في المملكة، ومع ذلك بقي الانكماش في الاقتصاد الوطنيّ هو الاقل في المنطقة.
السبب يعود في ذلك للعديد من الأسباب التي اوقفت التراجع المخيف في الاقتصاد حسب ما كان بعضهم يتوقعه، فمنذ اليوم الاول نجحت السياسة الماليّة من خلال أدواتها خاصة دائرة ضريبة الدخل بتحديد كبار المكلفين لضريبة المبيعات، وسمحت لهم بالعمل دون انقطاع مثل ما حدث مع شركات الدخان التي نمت اعمالها بشكل كبير جدا خلال فترات الحظر المختلفة، كما كبار المصدرين مثل شركات البوتاس والفوسفات وغيرها لم تتعطل يوماً واحداً وبقيت تعمل بشكلها المعتاد دون توقف، كما ان الحركة الصناعيّة في المملكة لم تتعطل سوى أيام قليلة لتعاود ماكنة الإنتاج بالعمل بشكل تدريجي وصولاً لطبيعته في الكثير من القطاعات، كما ان البنوك التي تشكّل وحدها 20 بالمئة من الناتج المحليّ الإجماليّ لم تتوقف عن العمل إلا بضعة ايام قبل ان تعود لوضعها التشغيليّ الطبيعيّ، هذا كُلّه جعل الإيرادات الضريبيّة في نموّ ملحوظ مصحوبا بإجراءات الدائرة في توسيع القاعدة الضريبة ومكافحة التهرّب الضريبيّ، وهذا ما اظهرته الإحصاءات الاخيرة بان النموّ في ضريبة الدخل والمبيعات نما باكثر من 9 بالمائة حتى شهر اب الماضي.
عامل آخر استندت إليه السياسة الماليّة للدولة اوقفت النزيف بالنموّ السابق وهو ما قامت به وزارة الماليّة بدفع كل التزاماتها الداخليّة والخارجيّة دون تأخير، فدفعت الرواتب كاملة لجميع العاملين في الدولة ومتقاعديها، وقامت بتسديد جزء كبير من المطالبات الداخليّة، ناهيك عن توقف الوزارة عن الاقتراض الداخليّ بعد شهر أيار(مايو) نتيجة حصولها على قرض سندات اليورو بوند، هذه كُلّها وفرت سيولة داخلية وعدت مسألة الاستهلاك المحليّ بشكل ايجابي.
النقطة المهمة الاخرى التي اوقفت الانهيار في النموّ وهو السياسة النقدية التي قادها البنك المركزيّ منذ اللحظة الاولى للأزمة، حيث كان مبادرا بطرح المبادرات التمويليّة التي وفرت السيولة للبنوك ثم للقطاع الخاص من خلال تخصيص نوافذ تمويليّة مختلفة القيم وتخفيض الفوائد وغيرها من الإجراءات التي حمت الاقتصاد بفاعلية.
الانكماش الاقتصاديّ تسبب في تراجع الإيرادات غير الضريبيّة بقوة وهو ما ادى لتراجع الإيرادات، ناهيك عن تنامي بعض النفقات العامة مثل المجهود الصحي لمواجهة كورونا والتي أدت إلى تفاقم العجز الماليّ، وليس نتيجة تراجع الضريبة.
نعم الاقتصاد الأردنيّ يمرّ في حالة انكماش حقيقي ولكنها ليست الأسوأ في المنطقة، بل قد تكون الاقل، وقد تكون نتيجة الربع الثاني مؤشرا نتفاءل بها بعض الشيء حتى نهاية العام، لأن الربع الثالث حيث الاعمال والأنشطة رجعت لمستوياتها تقريبا فإن النموّ المتوقع قد سيكون بحدود الصفر، ليرجع النموّ السالب في الربع الرابع بحدود ال2 بالمائة مع تزايد الكورونا، ليكون المعدل أعلى من المتوقع للنموّ الاقتصادي للمملكة مع نهاية العام بحدوود سالب 2 بالمائة وهو اقل بكثير مما توقعته كُلّ المؤسسات الدوليّة، وقد يكون الاقل في المنطقة، وقد نكون افضل الخاسرين اقتصاديًّا.