صدى الشعب – كتبت م.هديل إبراهيم المجالي
سندويشة اللبنة لم تكن خيارًا في طفولتي، كانت أمرًا واقعًا.
أمي لا تفاوض المرض، ولا تستأذن ضعفي، تضعها أمامي كما تُوضع الحقيقة: كاملة، غير قابلة للتأجيل.
كنت أظنها قسوة، لأنني لم أكن أعرف بعد أن القسوة أحيانًا هي الشكل الوحيد الذي يأتي به الحرص.
لم تكن اللبنة هي المشكلة، بل فكرة أن هناك من يعرف عني أكثر مما أعرف عن نفسي. كنت أقاوم السندويشة كما يُقاوم الطفل حدود الوطن؛ يراها تضييقًا، ولا يراها حماية. كنت أريد الشفاء بطريقتي، بلا شروط، بلا إجبار.
كبرتُ…
ولم أبتعد عن المكان، لكنني خرجت من طاعته. الزواج لا ينقلنا جغرافيًا، بل يسحبنا بهدوء من تحت جناح القرارات الجاهزة.
فجأة، صرت أنا من يقرر، وأنا من يتحمّل النتيجة، قوة مكتسبة، لكنها باردة.
اليوم أفهم لماذا كانت أمي تُصرّ..
لأن من يحبك لا يمنحك كل الخيارات، بل يمنحك الخيار الصحيح، حتى لو كرهته.
وهنا، أفهم الوطن..
الوطن ليس دائمًا حنونًا، ولا يشرح نفسه، يفرض، يحدّ، ويبدو أحيانًا كأنه يقف ضد رغباتنا. لكنه، مثل تلك السندويشة، يعرف أن النجاة لا تأتي دائمًا بما نشتهي، بل بما نحتاج.
نحن لا نشتاق للوطن فقط حين نغادره، بل حين نكبر بما يكفي لنفهم حكمته، حين نكتشف أن القسوة التي أوجعتنا لم تكن عقابًا، بل تدريبًا على البقاء.
وأن سندويشة اللبنة، التي رفضناها باكيين، كانت أول درس في الثقة… وشكلًا مبكرًا من أشكال الانتماء.






