أول أردنية وعربية تتولى رئاسة اتحاد البرلمانيين الشباب الدولي
صدى الشعب – راكان الخريشا
يشكل دخول الشباب إلى البرلمان تجربة فريدة تحمل في طياتها تحديات وفرصًا على حد سواء، فالشباب البرلمانيون يواجهون بيئة سياسية تقليدية لم تعتد على مشاركتهم الفعلية، ما يجعل حضورهم خطوة جريئة نحو إحداث التغيير، هذه التجربة تمنحهم القدرة على صقل مهاراتهم في التشريع وصناعة القرار، وتحويل الطموح إلى تأثير ملموس، بما يعزز دور الشباب كعنصر فاعل في تطوير السياسات الوطنية والمشاركة في صياغة مستقبل برلماني أكثر ابتكارًا وفاعلية.
وفي هذا السياق قالت النائب، نور ابو غوش، إن وجود الشباب داخل القبة البرلمانية يواجه عددًا كبيرًا من التحديات والعراقيل، خصوصًا أننا ما زلنا أمام ذهنية سياسية برلمانية تقليدية لم تعتد على المشاركة الشبابية الفعلية، ما يجعل من التواجد النيابي للشباب خطوة جريئة في بيئة تحتاج إلى التغيير والتطوير، ومع ذلك لا يمكن النظر إلى هذا الحضور على أنه مجرد حضور رمزي؛ فمجرد وجود الشباب في البرلمان يشكّل بالفعل كسرًا للحواجز النفسية والاجتماعية والسياسية التي طالما أعاقت مشاركة الشباب في صناعة القرار، قد يكون من الصعب اليوم قياس حجم التأثير المباشر لهذا التواجد، لكنه بالتأكيد يتضح تدريجيًا من خلال تراكم الخبرة السياسية، وصقل مهارات الشباب في إدارة الملفات العامة، وفهم آليات التشريع والمساءلة، هذا الحضور النيابي الشبابي لا يقتصر على كونه خطوة رمزية، بل هو حجر الأساس لبناء تأثير حقيقي على المدى المتوسط والطويل، حيث يُتوقع أن يؤدي مع الوقت إلى سلسلة من الإنجازات والخطوات المتتابعة التي يبني بعضها على بعض، فتتحول التجربة الشبابية من مرحلة التواجد إلى مرحلة التأثير الفعلي.
وأضافت ابو غوش في بداية مسيرتنا النيابية كان هناك تحدٍ واضح مرتبط بالعمر، خصوصًا أننا نتعامل مع زملاء لهم تجارب سياسية وبرلمانية متنوعة، وبعضهم قريب من أعمارنا أو أكبر بقليل، ما قد يجعل البعض يشكك في قدرة الشباب على المساهمة الفعلية في النقاش وصنع القرار، لكن مع مرور الوقت وتراكم النقاشات والجلسات والحوارات، أصبح واضحًا أن الاحترام لا يُمنح للعمر وحده، بل للفكرة نفسها ولجودة الطرح، وهذا ما غيّر الكثير من التصورات حول الدور الشبابي في البرلمان، في الواقع العمر أحيانًا يتحوّل إلى ميزة إيجابية، إذ يتيح للشاب في مقتبل العمر أن يكون لديه حضور خاص وجاذبية معينة، نتيجة لحداثة نظره، وعمق فكره، ووعيه بالقضايا التي يناقشها، هذا الاهتمام والإنصات للطرح الشبابي لا يقلل من قيمة الخبرات السابقة، بل يضيف بعدًا جديدًا للحوار، ويؤكد أن الشباب قادرون على تقديم رؤى مبتكرة وحلول عملية، ويجب علينا نحن كشباب أن نكون على وعي تام بوجود ميزانين مهمين الأول هو امتلاك الوقت الكافي لاكتساب الخبرة والتعلم من التجارب والدروس البرلمانية والسياسية على مدار السنوات القادمة، والميزان الثاني هو الثقة في الطرح الذي نقدمه، وفي كفاءتنا وقدرتنا على الإنجاز والعمل الجاد، فالعمر ليس عائقًا بحد ذاته، بل هو منصة يمكن أن يُبنى عليها تأثير حقيقي وملموس إذا صاحبه الطموح والجدية والرؤية الواضحة.
وأشارت ابو غوش نحن كشباب حاولنا خلال فترة عملنا البرلماني أن نضع بصمتنا في عدد من الملفات المهمة، لا سيما القوانين المتعلقة بالعملات الرقمية والمعاملات الإلكترونية، والتي تمثل محورًا رئيسيًا لفهم التحوّل الرقمي الكبير الذي يشهده العالم اليوم، فقد أدركنا أن مجرد النقاش حول هذه القوانين ليس كافيًا، بل يجب أن يكون هناك جهد ملموس لتوضيح المخاطر والفرص، وضمان صياغة تشريعات حديثة تحمي الاقتصاد الوطني وتواكب التغيرات العالمية، إضافة إلى ذلك من خلال عملنا في اللجان المختلفة، سواء اللجنة الشبابية أو المشاركة في التمثيل الدبلوماسي الشبابي على المستوى الإقليمي والدولي، أدركنا أن وجودنا لا يقتصر على التمثيل الرمزي للشباب، بل يجب أن يكون حضورًا فاعلًا يساهم في صياغة التشريعات ووضع السياسات بطريقة عملية، فالمشاركة في هذه اللجان تمنحنا القدرة على نقل التجارب الدولية، وفهم كيفية دمج الطاقات الشبابية في صناعة القرار، والعمل على تحقيق تأثير ملموس داخل التشريعات القائمة والجديدة، والعمل النيابي الشبابي يحمل بعدين متوازيين الأول هو التأثير الفوري من خلال المشاركة الفعلية في النقاشات والحوارات البرلمانية، ومحاولة توجيه النقاشات نحو أولويات الشباب واحتياجات المجتمع الحديث، أما البعد الثاني، فهو الاستثمار المستقبلي لتراكم الخبرة والمعرفة، بما يمكننا من تحويل الطروحات والأفكار الشبابية إلى برامج تشريعية قابلة للتنفيذ، تشكل جزءًا من تطوير التشريعات الوطنية وتحسين حياة المواطنين على المدى الطويل.
ونوهت ابو غوش التحدي الأكبر في العمل النيابي يكمن في التوازنات والاتفاقيات الحزبية التي تشكّل جزءًا لا يتجزأ من المشهد السياسي، هذه التوازنات تجعل من عملية صنع القرار أمرًا معقدًا، حيث لا يكون المسار دائمًا مستقيمًا أو مفتوحًا كما نتمنى، بل يتطلب مراعاة تحالفات ومصالح متعددة، والتعامل مع تباين وجهات النظر بين الأحزاب المختلفة، ومع ذلك أرى أن هذا التحدي لا يقل أهمية عن جوهر خوض السياسة نفسها، فالسياسة بطبيعتها عالم مليء بالتحديات والعراقيل والمتغيرات المستمرة، ما يجعلها بيئة تحتاج إلى صبر واستراتيجية ومرونة في التعامل مع الظروف المختلفة، فلا يمكن أن أتوقع أن يكون هذا العالم يومًا رحبًا لكل الأفكار التي أحملها، أو لكل المبادرات التي أرغب في تقديمها، سواء من منظور حزبي أو شخصي، لكن في هذا الإطار تأتي قيمة التجربة السياسية: القدرة على التأقلم، والابتكار ضمن القيود، وتحويل التحديات إلى فرص للتأثير والفعل، وبهذه الطريقة يصبح التعامل مع التوازنات الحزبية والاتفاقيات جزءًا من مهارات النائب، ليس فقط كأداة للتفاوض، بل كفرصة لصقل القدرة على التأثير، وبناء شبكة من العلاقات التي يمكن أن تدعم تنفيذ البرامج والمبادرات التي تصب في مصلحة الوطن والمواطن، فالتحديات ليست عائقًا بقدر ما هي مساحة لتعلّم فنون السياسة، وفهم ديناميكياتها، ومحاولة تحقيق الأثر الفعلي ضمن حدود الممكن والمتاح، مع الحفاظ على المبادئ والقدرة على تقديم طرح متجدد وفعّال.
وتابعت ابو غوش العالم السياسي مليء بالمتغيرات والتحديات، وهو ما يمنحه نكهته الخاصة ويجعل تجربة العمل النيابي فريدة من نوعها، على العكس من أن يكون التحدي عقبة، وجدت أن التحدي السياسي والحزبي منحني شعورًا أقوى بالإصرار على تقديم ما أريد تمثيله، وما أود أن أقدمه من أفكار ومبادرات. فلو لم أتمكن اليوم، داخل هذا المبنى السياسي وفي هذا المعترك النيابي، من الإصرار على طرح أفكاري والسعي لتحقيقها، فأين سأجد الفرصة لذلك في مكان آخر، وهناك العديد من الموازنات والتحديات الناتجة عن الاتفاقيات الحزبية، وهذه جزء طبيعي من اللعبة السياسية، لكنها بالنسبة لي لم تكن عائقًا، بل كانت دافعًا حقيقيًا لتطوير قدراتي، وتعزيز ثقتي بطرح أفكاري، والعمل على إيصالها بشكل أكثر وضوحًا وإقناعًا، فكل نقاش وكل مواجهة للتحديات الحزبية، وكل محاولة للتأثير داخل البرلمان، تمنحني فرصة أكبر لترجمة الأفكار إلى واقع ملموس، ولإثبات أن الإرادة والجدية يمكن أن تكون أقوى من أي عقبة تنظيمية أو سياسية.
وأشارت ابو غوش أحد أبرز الأدوار التي توفرها الحياة البرلمانية يتمثل في التمثيل الدبلوماسي والسياسي، من خلال المشاركة في المؤتمرات الدولية والإقليمية التي تجمع البرلمانيين من مختلف أنحاء العالم، ومن خلال هذه التجارب، أتيحت لي الفرصة لدخول لجنة البرلمانيين الشباب، ومن ثم انتخابي كرئيسة مكتب البرلمانيين الشباب الدولي، لأكون بذلك أول أردنية وعربية تتولى هذا المنصب، وهذه التجربة تعد من أكثر المحطات قربًا إلى قلبي، لما تحمله من فخر واعتزاز بتمثيل الأردن على المستوى الدولي، وإظهار دوره الفاعل في دعم الشباب السياسي وتمكينهم من المشاركة في صناعة القرار، فمثل هذه المحافل تمنح الفرصة لخوض نقاشات شبابية وسياسية على الصعيد العالمي، وتتيح التعرف على تجارب مختلفة، وبناء شبكة من العلاقات مع برلمانيين شباب من دول متعددة، ما يثري التجربة الشخصية ويعزز القدرة على التأثير داخل البرلمان الوطني أيضًا، وتمثل هذه التجربة فرصة لتسليط الضوء على الصورة الإيجابية للأردن في دعم الشباب وتمكينهم من المساهمة الفاعلة، ليس فقط على الصعيد المحلي، بل أيضًا على المستوى الدولي، ما يفتح أبوابًا واسعة لنقل أفضل الممارسات العالمية وتطبيقها في العمل البرلماني المحلي، وتعزيز دور الشباب في صياغة السياسات والقوانين التي تصب في مصلحة الوطن والمواطن.
