قصة نجاح هادئة بعيدة عن الأضواء
صدى الشعب – كتبت م. ندى أبو عبده
في نهاية شهر تشرين الثاني (نوفمبر)، فوجئت بوجود وجه مألوف من العقبة، هنادي أبو العدس، في مهرجان الزيتون الوطني الخامس. وسط المنتجات التقليدية مثل الزيتون المكبوس واللبنة، كان منتجها المختلف، البسطرما، يجذب الأنظار بجودته وطابعه الفريد.
عندما سألتها عن سبب اختيارها هذا الطبق، أجابت ببساطة:
“لأنه طبقي المفضل منذ الطفولة.”
جملة صغيرة تلخص رحلة امرأة حولت شغف طفولتها إلى قصة نجاح حقيقية.
اتجهت هنادي إلى مجال الإنتاج المنزلي بطريقة مختلفة، لم أرَ غيرها يقدم هذا المنتج بحرفية عالية، إتقان وحب. اختارت منتجًا غير تقليدي، وأصبحت مثالًا حيًا على أن الإبداع والتميز يمكن أن يولدا من شغف حقيقي وقرار جريء في السير بعيدًا عن المألوف.
تصنيع البسترما ليس سهلاً، فهو يتطلب مراحل دقيقة ومكونات عالية الجودة، مثل زيت الزيتون البكر. من أصعب التحديات الحمل المادي للحرارة والحجارة الثقيلة، ما يجعل العملية شاقة إذا لم يتعاون معها أحد. كما تواجه صعوبة كبيرة في الترويج للمنتج، إذ تفتقر إلى خبرة التسويق الإلكتروني المتطور، ما يجعل الوصول إلى جمهور أوسع تحديًا دائمًا. ومع ذلك، تقحم نفسها في البازارات لتقديم منتجها بنفسها، والتواصل المباشر مع الزبائن، والاستماع لآرائهم.
أغلب مشتري البسترما في البازارات هم السياح، الذين يعودون لاحقًا لشراء المزيد، ما يعكس مدى انجذابهم للمنتج ويؤكد جودته ومذاقه المميز. ومع ذلك، يبقى تحدي التسويق والمعرفة الرقمية حاجزًا أمام الوصول إلى جمهور أوسع.
مسيرتها المهنية بدأت في مجال السلامة الغذائية في الفنادق الخمس نجوم، حيث حصلت على عدة شهادات متخصصة من دول متقدمة، ما منحها خبرة مهنية متفردة. وفي عام 2010، قررت تحويل شغفها بالبسترما إلى واقع ملموس مع شقيقها الراحل، ملتزمة بأعلى معايير النظافة والجودة.
إلى جانب إنتاجها، تُعد هنادي ناشطة اجتماعية ومعلمة، فقد درّبت المئات من السيدات في مجال التصنيع الغذائي والسلامة الغذائية، مسهمة بذلك في رفع مستوى المعرفة والمهارات بين ربات المنازل والسيدات العاملات. وهي ترى أن هناك حاجة لاستثمار هذه الخبرة بشكل أوسع لتشمل دائرة أكبر من السيدات، ويزيد الوعي بأهمية المعايير الصحية في تصنيع الغذاء.
كما أن هنادي عضو فعال في تجمع لجان المرأة الوطني، والشبكة النسائية لزيت الزيتون في الأردن، ولجنة مركز الأميرة بسمة المعظمة في العقبة، وهي زوجة وأم تتحمل مسؤوليات متعددة في حياتها الأسرية والمهنية، ما يجعل إنجازاتها أكثر قيمة وإلهامًا.
بعد تقاعدها، طُلب منها العمل كمستشارة في مجال السلامة الغذائية، مما يعكس مكانتها الكبيرة وخبرتها المتراكمة. تجربة هنادي أبو العدس تتجاوز النجاح الفردي؛ فهي نموذج ملهم للعديد من السيدات، وتؤكد أن التوازن بين العمل المهني والشغف الشخصي هو مفتاح النجاح المستدام.
ويبقى السؤال:
• لماذا تبقى قصص نجاح سيداتنا بعيدًا عن الأضواء رغم عطائهن الكبير؟
• لماذا لا تصل منتجات سيداتنا المنزلية إلى العالمية رغم الجودة والجهد المبذول؟
• هل نحن حقًا ندعم منتج المرأة المحلي كما يجب؟







