2025-12-17 | 4:02 مساءً
صحيفة صدى الشعب
  • الرئيسية
  • محليات
  • عربي دولي
  • جامعات
  • اقتصاد
  • الرياضة
  • تكنولوجيا
  • أخبار الفن
  • صحة و جمال
  • وظائف
  • تلفزيون صدى الشعب
  • عدد اليوم
    • الصفحات الكاملة لصحيفة صدى الشعب PDF
No Result
View All Result
صدى الشعب
Home كتاب وأراء

سوريا .. بين التحديات الداخلية وترتيبات الأمن والتطبيع في المنطقة

الأربعاء, 17 ديسمبر 2025, 12:50

صدى الشعب –  كتب نادية سعد الدين

تُعدُّ تطورات الأوضاع الأخيرة في سوريا مدخلًا فاعلًا لترتيبات أمنية (إقليمية، ودولية) تسعى لإعادة التموضُّع ورسم خرائط النفوذ من جديد، وتصعيد إسرائيلي لم يتوقف لتثبيت وقائع أمنية وتحقيق أهداف إستراتيجية، ومنفِّذ أمريكيٍّ لضم الدولة المُنهكة إلى “اتفاقيات أبراهام” للسلام كشرط للتعامل معها وإدماجها في الاقتصاد العالمي، مما يضع الحكومة السورية أمام تحديات الموازنة بين الضغوط الدولية والاعتبارات الوطنية، وبين الأزمات الداخلية الخانقة والاختراقات الخارجية.

وما لم يُسارع النظام السوري الجديد إلى تبني إجراءات علاجية حاسمة لاحتواء الانشطار المجتمعي، وسدِّ منافذ التدخلات الخارجية، في إطار مشروع وطني جامع؛ فإن الباب سيبقى مفتوحًا أمام مزيد من الاضطرابات المُهدِّدة لوحدة سوريا وهويتها الوطنية.

أولًا: أزمتا “السويداء” و”قسد” والمشهد السوري المضطرب…

تُعدُّ أحداث محافظة السويداء- جنوب سوريا- في 13/7/2025، بموازاة التصعيد الخطير في شمال سوريا مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، الذي تفاقم في أغسطس 2025، تحديات أمنية وازنة تُواجه الحكومة السورية الانتقالية منذ تشكيلها، في 29/3/2025، برئاسة “أحمد الشرع” بعد توليه مهام رئاسة البلاد في المرحلة الانتقالية، ابتداءً من 29/1/2025، عقب سقوط نظام الرئيس “بشار الأسد”، في 8/12/2024، وذلك للعوامل التالية:

أولًا: تصُّدع السلم الأهلي: تحولت محافظة السويداء، ذات الأغلبية الدرزية، إلى بؤرة صراع دمويٍّ، منذ منتصف يوليو، حينما انقلبت علاقة التعايش الطويلة التي لم تخلو من موجات توتر بين الدروز والعشائر العربية إلى أسوأ حالات الاقتتال الطائفي، على خلفية هجمات واتهامات متبادلة بالانتقام، تطورت إلى اشتباكات دامية خلَّفت مئات الضحايا وآلاف النازحين.

ورغم مساعي تثبيت اتفاقات وقف إطلاق النار الهشَّة، كان آخرها في 19/7/2025 برعاية أمريكية، عبر تشكيل “مجموعة عمل سورية أردنية أمريكية” 12/8/2025، إلا أن الإشكالية ستبقى قائمة في ظل غياب ترتيبات أمنية جادة ومعالجة جذرية للعوامل الاجتماعية والسياسية المُسبِّبة لاندلاع المواجهات، التي عمَّقَت خطوط الانقسام الطائفي بين الدروز والبدو، مما يهدِّد بتفكك النسيج المجتمعي المحلي.

ثانيًا: هشاشة الوضع الأمني: يؤدي الفراغ الأمني وتراجع مؤسسات الدولة، نتيجة تركة ثقيلة ممتدة منذ عهد نظام “الأسد”، إلى تفاقم أزمتيِّ جنوب وشمال شرق سوريا؛ فقد تعاملت الحكومة السورية الجديدة مع أحداث السويداء كاختبار لحدود قدرتها على تغيير الأمر الواقع الذي فرضه الاحتلال الإسرائيلي في الجنوب السوري، عقب 8 ديسمبر، كمنطقة منزوعة السلاح، إلا أن محدودية القدرة تجلت عند عرقلة تحرك القوات الحكومية للمنطقة لفرض الأمن بتصعيد عسكري إسرائيلي بحجة “حماية الدروز”، عبر غارات جوية كثيفة استهدفت مقارًا عسكريةً ومراكز حكومية، مثل: مقر هيئة الأركان، والقصر الرئاسي في دمشق.

بينما فُهم من انكفاء القوات السورية عن السويداء، وإطلاق يدِ العشائر العربية لنجدة أقرانهم، بأنه تخلي رسمي عن بسط السيادة فيها وتكريس لواقع أمني خاص أقرب للفيدرالية الأمنية، تجسد لاحقًا في التوافق على تشكيل لجان محلية في محافظات الجنوب السوري الثلاث (القنيطرة، ودرعا، والسويداء)؛ للحد من سلطة الإدارة السورية الجديدة عليها، مقابل مساعٍ إسرائيلية لتعزيز دورها في تشكيل المعادلة الأمنية في جنوب سوريا، وتكريس نفوذها في ديناميكيات الوضع السوري عمومًا، مما يهدِّد وحدة الأراضي السورية.

وعلى الجبهة الشمالية، تتفاقم الأزمة بين الجيش السوري وقوات “قسد” حدَّ الاشتباكات العنيفة، عقب تعثر مفاوضات تنفيذ الاتفاق المُبرم بين الرئيس “الشرع” و”مظلوم عبدي” قائد التنظيم (10/3/2025) برعاية أمريكية، نتيجة الخلاف حول بند “دمج المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا ضمن الدولة السورية، بما فيها: المعابر الحدودية، والمطار، وحقول النفط والغاز” في إطار “وحدة الأراضي السورية ورفض التقسيم”، نظير رفض “قسد” الاندماج الكامل وتسليم السلاح، بما يخالف الاتفاق، ويصطدم بالموقف الرسمي.

ومع استمرار سيطرة “قسد” على نحو ربع مساحة الأراضي السورية؛ تضم أجزاء من محافظات الحسكة، والرقة، وحلب، ودير الزور الغنية بالثروات النفطية والزراعية والمُدارة من قبل “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا” (المُشكلة عام 2014)_ فإن تحديات خروج مساحات شاسعة عن سيادة الدولة وحرمان الشعب السوري من عوائدها الاقتصادية وعرقلة جهود انضواء التشكيلات العسكرية في إطار وطني جامع والنزعة الانفصالية، تعتبر مداخل مريحة للتدخلات الإقليمية والدولية.

ثالثًا: تقويض جهود بناء الدولة: تُواجه “الإجراءات الإصلاحية” الحكومية موقفًا مُضادًا من قوات “قسد” ومكونات درزية، بدعوى الإقصاء وغياب التمثيل المجتمعي، لاسيما الإعلان الدستوري السوري 13/3/2025، الذي ينص بأن الفقه الإسلامي مصدر أساسي للتشريع، وتشكيلة الحكومة الجديدة، ومخرجات “مؤتمر الحوار الوطني السوري” فبراير 2025، و”المجلس الأعلى للأمن القومي السوري” 12/3/2025، فضلًا عن انتقاد تحديد موعد إجراء انتخابات الشعب السوري، بين 15 و20 سبتمبر المقبل؛ لإيكال الرئيس مهمة تعيين 70 عضواً من بين 210 مقاعد بعد زيادتها لرفع حصة المحافظات، مما يجعل جهود بناء الدولة ليست على سوية واحدة من القبول المجتمعي.

وتزداد التحديات مع ملفات شائكة، مثل: التوترات الداخلية، أسوة بأحداث الساحل السوري 6/3/2025، وتفكيك البنية الأمنية السابقة، وبقايا تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية والعسكرية، والنزعات الانفصالية، والتحديات الاقتصادية، وتحقيق السلم الأهلي، وإصلاح مؤسسات الدولة، في ظل مساعي الرئيس “الشرع” لإعادة الثقة الداخلية والخارجية بمسار نهجه المُغاير.

رابعًا: مطالب انفصالية: تبرز مطالب مكونات درزية وكردية بهوامش أكبر للحكم الذاتي، مما يثير قلقًا مركزيًّا من الفيدرالية كغطاء للانفصال وتقسيم سوريا ولتدخلات خارجية. ويتصدر الرئيس الروحي للطائفة الدرزية في محافظة السويداء “حكمت الهجري” تيارًا مناهضًا لسيطرة الدولة السورية على محافظة السويداء، مُتخذًا من ثِقَل “المجلس العسكري” (كفصيل مسلح تأسس في يناير 2025) و”لواء الجبل” و”تيار سوريا الفيدرالي” ودعم “قسد”، مُعولًا للمطالبة “بدولة ديمقراطية لا مركزية” تحظى السويداء فيها بإدارة ذاتية، وحماية دولية، وتدخل إسرائيلي تجلى في الأحداث الدامية، و”فتح ممر إلى مناطق سيطرة قوات قسد”، تماهيًا مع مشروع “ممر داود” الإسرائيلي، ضمن علاقة “مُريبة” تجمعه بالزعيم الروحي للطائفة الدرزية في إسرائيل “موفق طريف”، الذي نظم زيارة وفد من رجال الدين الدروز لمزار مقدس في فلسطين المحتلة (مارس 2025) لأول مرة منذ 50 عامًا، بالتنسيق مع الحكومة الإسرائيلية.

ولكن هذا المسار ليس حتميًّا؛ ففي الجهة الوازنة المُعاكسة، يقف الشيخان “حمود الحناوي” و”يوسف جربوع”، اللذان يتقاسمان مع “الهجري” المرجعية الدينية العليا للطائفة الدرزية في السويداء، إلى جانب زعماء وقادة دروز محليين آخرين، مثل: الشيخ “ليث البلعوس” زعيم “قوات شيخ الكرامة” والمناوئ لنفوذ “الهجري”، وفصائل درزية مسلحة، مثل: “حركة رجال الكرامة” النافذة حجمًا وعتادًا، و”حركة أحرار الجبل”، و”تجمع عشائر السنة” الممثل للعشائر العربية في المحافظة؛ لتأكيد تمسكهم بسيادة سوريا ووحدة أراضيها ورفض التدخل الإسرائيلي ومناهضة مشاريع التقسيم أو الفيدرالية والدعوة للمصالحة الوطنية تحت مظلة الدولة السورية، مما ينسجم مع مسار تاريخي درزي مؤيد للوحدة ويؤشر لغياب الأرضية الدينية والاجتماعية الحاضنة للتحرك الانفصالي المُضاد.

ولا يبتعد كثيرًا مسعى أكراد سوريا لتثبيت دعائم حكم ذاتي مستقل في منطقة شمال شرق سوريا توطئة ربما لإقامة دولتهم المنشودة، والذي تجلى في مخرجات مؤتمري “الحوار الوطني الكردي” بالحسكة (يومي 19/5 و9/8/2025) بحضور كردي إقليمي ودولي واسع، عند تبني مطلب “دولة لا مركزية”.

إلا أن معُوقات طموحهم كثيرة؛ إزاء الرفض السوري الرسمي المساس بوحدة الأراضي السورية، ومناهضة تركيا لأي تحرك انفصالي يهدد أمنها القومي، وسط تاريخ عدائي طويل “لوحدات حماية الشعب” الكردية السورية، مكون “قسد” الرئيس، وحزب الاتحاد الديمقراطي في شمال سوريا، كامتداد لحزب العمال الكردستاني التركي الذي خاض حربًا انفصالية ضد تركيا منذ عام 1984، قبيل دعوة زعيمه المعتقل “عبدالله أوجلان” بحله وإلقاء السلاح 12/5/2025، في مُتغير تاريخي سيترك أثرًا ماديًّا ومعنويًّا على “قسد”. وتتشارك إيران في نفس المخاوف، خشية محاكاة التجربة داخل أراضيها التي يشكل الأكراد نحو 10% من سكانها، رغم إحباط تطلعهم لكيان مستقل منذ زمن بعيد.

أما رهان “قسد” على الولايات المتحدة الأمريكية- داعمها الرئيس كشريك في الحرب ضد “داعش”- فيشوبه متغيرات برزت كجزء من إستراتيجية واشنطن تجاه سوريا الجديدة، مثل: معارضة كيان كردي مستقل أو فيدرالية تمسُّ الاستقرار السوري، وقرار الانسحاب العسكري التدريجي من سوريا، وتحميل الحكومة السورية مسؤولية إدارة سجون معتقلي “داعش” المُناطة حاليًّا بـ”قسد”، مما أوحى للأخيرة بالتخلي الأمريكي عنها غداة انتهاء مهمتها بهزيمة التنظيم الإرهابي.

وإذا ما تطورت تلك المتغيرات واقعًا فعليًّا؛ فإنها قد تهدد بانحسار مرافد التغذية العسكرية والمالية الأمريكية عن قوات “قسد”، ويجعل خيار القوة العسكرية مطروحًا أمام دمشق عند فشل مفاوضات الدمج، وأنقرة تحت طائلة الدمج أو إلقاء السلاح، ويُنذر بتساقط أوراق القوة من يدها.

ثانيًا: سوريا الجديدة: ساحة “هندسة” الترتيبات الأمنية الإقليمية والدولية…

مع سقوط نظام الرئيس “الأسد”، تدخل سوريا مرحلة فاصلة في تاريخ البلاد والمنطقة، تُنذر بتحولها إلى ساحة مفتوحة لترتيبات أمنية إقليمية ودولية متضادَّة؛ لإعادة التموضع ورسم خرائط النفوذ مجددًا.

أولًا: تشكل أزمتا “السويداء” و”قسد” مداخل إسرائيلية وازنة لتحقيق أهداف إستراتيجية في الساحة السورية الهشَّة، استكمالًا لخطوات الاستيلاء على جبل الشيخ ومواقع عدة بالجولان السوري وإعلان إنهاء اتفاق “فض الاشتباك” مع سوريا لعام 1974، والسيطرة على المنطقة العازلة، التي تمت عقب 8 ديسمبر، ويتمثل أبرزها في:

  1. يسعى الاحتلال الإسرائيلي لاستقطاب الطائفة الدرزية واستثمار ملف “قسد” للتأثير في المعادلة الداخلية السورية، عبر التدخل العسكري في السويداء وتحديد مصيرها وتعزيز النزعة الدرزية الانفصالية توطئة لتشكيل “حاجز بشري درزي” يمنع وصول ما يسميهم “القوى المعادية” لحدوده، بموازاة فتح قنوات داعمة مع قوات “قسد”؛ لإقامة كيانهم الكردي المستقل وتوظيفهم كحليف في وجه خصومه الإقليميين، لاسيما تركيا؛ لزعزعة أمن واستقرار سوريا.
  2. الضغط على سوريا لتوقيع معاهدة سلام وتطبيع كامل معه وفق شروطه الأمنية..
  3. يستغل الاحتلال الإسرائيلي حالة السيولة السياسية وضعف البنية العسكرية للدولة السورية؛ لفرض واقع أمني جديد في جنوب سوريا يمنع أي تموضع لإيران أو “حزب الله” ضمن ساحته، ويحوِّل محافظاته الثلاث إلى مناطق منزوعة السلاح، في إطار هدف تكريس المنطقة العازلة داخل عمق الأراضي السورية.
  4. إضعاف الحكومة المركزية، وعرقلة جهود بناء دولة سورية موحدة وقوية قدر الإمكان؛ إذ يخشى الاحتلال الإسرائيلي من الدعم الإقليمي والدولي لسوريا، وأن يؤدي إدماجها في مشاريع الربط التجاري بين (تركيا، والسعودية، والأردن) إلى تجاوزه، وزعزعة موقعه كممر إستراتيجي بين الشرق والغرب، بما يهدد مشروع “الهند، إسرائيل،  أوروبا”، أو يعطله.
  5. إقامة “ممر داود” بمزاعم توراتية؛ بإنشاء ممر جيوسياسي يمتد من شمال فلسطين المحتلة عبر الجولان السوري المُحتل ومحافظتي (درعا، والسويداء جنوبًا) نحو مناطق سيطرة “قسد” عبر منطقة التنف (نقطة التقاء الحدود السورية مع الأردن والعراق)، وصولًا إلى شرق الفرات على الحدود التركية – العراقية، توطئة لدخول كردستان العراق من جغرافية الأنبار العراقية. ويحقق المخطط للاحتلال الإسرائيلي، بعد إيجاد كيانات درزية وكردية موالية له، أهدافًا مزدوجة، ممثلة في التغلغل الجغرافي والعسكري داخل العمق السوري، والسيطرة على أراضٍ عربية كجزء من مشروعه التوسعي الإقليمي، أو تحويل الممر كأداة هيمنة، وإضعاف النفوذ الإيراني بالسيطرة على الحدود الشرقية السورية العراقية، والاقتراب من حدود تركيا الجنوبية وتقليص نفوذها كدولة منافسة للمصالح الإسرائيلية في المنطقة، عدا الاستيلاء على ثروات شرق الفرات الطبيعية.

إلا أن الأهداف الإسرائيلية تصطدم برفض شعبي سوري ومعارضة وطنية عروبية عريضة داخل الطائفة الدرزية ومناهضة تركية لما تعتبره تهديدًا لأمنها القومي، وموقف أمريكي يميل نحو استقرار سوريا الجديدة بعيدًا عن المشاريع الانفصالية، خشية تعزيز قوة التنظيمات الإرهابية المسلحة وتمكين النفوذ الإيراني والروسي. ويبدو أن الاحتلال الإسرائيلي يسعى لتحقيق مصالحه في الساحة السورية دون الدخول في صدام مباشر مع تركيا أو التورط معها عسكريًّا.

ثانيًا: توسُّع الاحتضان العربي الإقليمي والأوروبي لسوريا الجديدة ودعم استقرار ووحدة أراضيها، ضمن مساعي دمجها في النظام الإقليمي والدولي بعيدًا عن الهيمنة الإيرانية، والذي أتى ثماره في ضخ استثمارات سعودية وإماراتية ضخمة ورفع كامل العقوبات الأوروبية عنها في 20/5/2025، وتشكيل قوة ضغط سعودية قطرية تركية ثقيلة نحو خطوة أمريكية مماثلة سابقة في 13/5/2025، في ظل مساعي “الشرع” لطمأنة الدول العربية والغربية بأن سوريا لا تشكل مصدر تهديد لأية جهة، وستمثَّل كل الأطياف، وأن “خروج القوات الإيرانية من ساحتها قد أتاح فرصة مهمة لاستعادة سيادة سوريا الكاملة وبناء شراكات جديدة”، بحسبه.

ثالثًا: تسعى تركيا لدور محوري في إعادة تشكيل سوريا الجديدة؛ عبر دعم حكومة دمشق في وجه مشاريع التقسيم، والدفع بترتيبات أمنية لإبعاد قوات “قسد” عن حدودها وإحباط تطلعهم بكيان كردي مستقل، قد تتطور إلى مطلب إنشاء “منطقة آمنة” على طول حدودها المشتركة مع سوريا، وتعزيز وجودها العسكري، بإنشاء قواعد جوية وتدريب الجيش السوري؛ تحقيقًا لمصالحها الإستراتيجية المتعلقة بالمشاركة في إعادة الإعمار ومكافحة تنظيم “داعش”، وفتح ملف اللاجئين السوريين المقيمين لديها، وتقليص النفوذ الإيراني، والحد من التهديدات الإسرائيلية، ضمن هدفها الأكبر بتعزيز نفوذها الإقليمي. غير أن نجاح مساعيها يعتمد على مدى تقبل القوى الإقليمية والدولية لهذا الدور، والتوصل إلى تفاهمات مع الجانبين (الروسي، والأمريكي)، وتذليل العقبات النابعة من الداخل السوري نفسه.

رابعًا: يُواجه مسعى إيران للحفاظ على نفوذها الآخذ بالتآكل في سوريا عقبات وازنة؛ إزاء خطاب “الشرع” بإعادة تقييم التحالفات الإقليمية، ما يُفسِّر حالة الفتور الأخيرة بين “دمشق” و”طهران”، وزخم ضغوط عربية وغربية على الحكومة السورية للحد من النفوذ الإيراني مقابل فتح قنوات سياسية جديدة معها، مما قد يجعل المهمة الإيرانية صعبة.

خامسًا: يُمثل اجتماع الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” مع الرئيس “الشرع”، برعاية سعودية في الرياض 14/5/2025، بحضور ولي عهد المملكة الأمير “محمد بن سلمان”، في أول لقاء بين رئيسين (أمريكي، وسوري) منذ 25 عامًا_ تحولًا نوعيًّا في مسار العلاقات الثنائية، وفي الإستراتيجية الأمريكية تجاه سوريا، التي يبدو أنها تعتمد مقاربة مُغايرة تنتقل فيها من سياسة العزل والعقاب إلى سياسة الانخراط المشروط والدعم الحذر، المرهون بخارطة مطالب أمريكية من القيادة السورية كأثمانٍ سياسية وأمنية للعمل معها وإعادة دمج سوريا في الاقتصاد العالمي، منها ما يخص التطبيع والتشكيلات المسلحة في الساحة السورية.

ويبدو أن واشنطن تتعامل مع مرحلة “الشرع” كفرصة مهمة لتقليص النفوذ الإيراني والروسي، في إطار مرتكزات إستراتيجيتها تجاه سوريا، التي تعتمد أيضًا مواصلة محاربة بقايا “داعش” ودعم ترتيبات أمنية تشمل التعاون الاستخباراتي مع دمشق، وإنشاء آلية رقابة على الحدود الشرقية مع العراق، بالتنسيق مع التحالف الدولي لمكافحة التنظيم الإرهابي، قد ترسم ملامح تفاهمات أمنية مشروطة تتقاطع فيها المصالح الأمريكية مع الأمن الإسرائيلي ودعم استقرار سوريا لإيجاد بيئة استثمارية مواتية لإعادة الإعمار.

سادسًا: رغم خسارة روسيا لحليفها “الأسد”، وانشغالها بالحرب مع أوكرانيا الممتدة منذ عام 2022، من غير المتوقع أن تتخلى عن دورها في سوريا بسهولة؛ حيث ستسعى للحفاظ على قواعدها العسكرية (قاعدة حميميم، وطرطوس) بموجب اتفاقات مع الحكومة الجديدة، وقد تكون شريكًا في ترتيبات أمنية تخص مثلًا إعادة هيكلة الجيش السوري أو المساعدة التي عرضتها للتوصل لاتفاق بين دمشق والأكراد، بينما تستعد لاستضافة قمة تجمعها بالدول العربية بحضور سوري في أكتوبر المقبل، بما يضمن بقاءها كفاعل في أمن شرق المتوسط.

ثالثًا: سوريا وترتيبات التطبيع في المنطقة.

تسعى الإدارة الأمريكية لربط سوريا بترتيبات إقليمية ذات علاقة بالتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، وإدماج انضمامها إلى “اتفاقيات أبراهام” للسلام كمطلب محوري للتعامل معها، إلا أن هذا المنحى يرتبط بالتالي:

أولًا: أبدى الرئيس “الشرع”- في عدة مناسبات- انفتاحه على فكرة التحاق سوريا بركب “السلام الإقليمي” عندما تسمح الظروف بذلك، وعدم استبعاده تطبيع العلاقات مع الجانب الإسرائيلي، شريطة احترام السيادة السورية والانسحاب من مرتفعات الجولان، معتبرًا أن الأمر “معقد بسبب النزاعات السابقة واحتلال الجولان” (فبراير 2025)، ومُرهنًا إياه بتوفر “الظروف الملائمة”.

ورغم ما يبدو على أنه خطاب سياسي جديد؛ إلا أن ردود “الشرع”- وفق مراقبين- تأتي دومًا فضفاضة ومشروطة بوقف العدوان الإسرائيلي وبقضية الجولان وتوفر توافق داخلي وسياق عام. وقد يشي ذلك عن محاولة التملص من حراجة اللحظة الراهنة بتأجيلها دون صدِّها تمامًا؛ لحين تثبيت دعائم المرحلة الانتقالية، والاستفادة القصوى من فرصة الانفتاح الأمريكي الذي تحتاجه سوريا. كما أن الالتزام باتفاق غير محدد الأجل، يتطلب تنفيذه ضمان استقرار البلاد والحفاظ على الشرعية التي حصدها بإنجازاته المتتالية، يتيح له هامشًا واسعًا للمناورة.

ثانيًا: بدء فتح قنوات دبلوماسية سورية إسرائيلية غير مباشرة؛ عبر محادثات أعلن عنها “الشرع” بوساطة دولية، في أذربيجان 12/7/2025، وفرنسا 25/7/2025، تهدف إلى تهدئة التوترات في جنوب سوريا ومنع الانزلاق نحو حرب مفتوحة، مؤكدًا التزامه باتفاق “فض الاشتباك”، مما يشي برغبة سورية في احتواء التصعيد بدل مواجهته، وبما ينسجم مع تطلعات أمريكية لاستقرار سياسي وأمني طويل الأمد في سوريا.

ثالثًا: إن احتمال إصرار الإدارة الأمريكية على إبرام اتفاقية سورية – إسرائيلية شاملة، أو الشروع بخطوات تطبيعية، من شأنه أن يقلب المعادلة ويجعل دمشق أمام تحدي الموازنة بين المطلب والاعتبارات الوطنية، إزاء امتلاك واشنطن ورقة العقوبات الاقتصادية الضاغطة. ويرتبط ذلك بالملفات التالية:

  1. نفاذ رفع العقوبات الأمريكية فعليًّا وإعادة الإعمار: إذ تشكل التحديات الاقتصادية والبنية التحتية المُدمَّرة عنصرًا ضاغطًا على الحكومة السورية، وسط صعوبة بدء مرحلة الإعمار، دون دعم قوى إقليمية ودولية قد ترى في التطبيع مؤشرًا على تغيير سلوك النظام السوري الجديد ولموقعه في المنظومة الأمنية العربية، فيما ترتبط قضايا الطاقة والمياه والمشاريع الواعدة ببيئة أمنية واقتصادية مستقرة.
  2. تأمين الجنوب السوري: يفرض التطبيع تفاهمات أمنية تُخفف من التصعيد الإسرائيلي في جنوب سوريا، كما قد يقطع على أي خطط أو مطامع إسرائيلية في سوريا.
  3. يفتح التطبيع بابًا أوسع للحوار مع الإدارة الأمريكية، وهو أمر تحتاجه سوريا في ملفات العقوبات ودعم استقرار سوريا والتصدي للتهديد الإسرائيلي المتواتر، لاسيما وأن الرئيس “ترامب” ربط رفع العقوبات فعليًّا عن سوريا والتعامل معها بمطلب الانضمام إلى “اتفاقيات أبراهام”، بما يضيق هامش الخيارات أمامها.

عوائق أمام التطبيع السوري الإسرائيلي.

يصطدم مسار انضمام سوريا “لاتفاقيات أبراهام” بجملة تحديات وازنة؛ تتمثل في:

  1. تاريخ العداء الطويل نتيجة الانتهاكات العدوانية الإسرائيلية المستمرة ضد الأراضي السورية، واستمرار احتلال الجولان الذي لا تزال تطالب به سوريا كجزء لا يتجزأ من أراضيها. كما تدرك دمشق أن التطبيع مع بقاء الاحتلال قد يفقدها شرعيتها الشعبية داخليًّا وعربيًّا.
  2. تعتبر القضية الفلسطينية مترسِّخة في الوجدان السوري والعربي، وسط دعم شعبي عارم لنصرة الشعب الفلسطيني وحقوقه العادلة، ورفض الاحتلال الإسرائيلي.
  3. رفض شعبي وثقافي عميق: لا توجد أرضية مجتمعية داخل سوريا ترحب بالتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، خصوصًا بعد عقود من التعبئة السياسية والإعلامية ضده، كما أن الكثير من النخب الدينية والمدنية والعسكرية السورية لا تزال تعارض الفكرة.
  4. إيلاء الحكومة السورية الأولوية لصد التهديد الإسرائيلي، عبر تأكيد ضرورة الانسحاب من المنطقة العازلة والالتزام باتفاق “فض الاشتباك”، تحت إشراف الأمم المتحدة.
  5. يرى مراقبون أن “الشرع” لا يملك في المرحلة الانتقالية صلاحية عقد اتفاق سلام مع الاحتلال الإسرائيلي، نظير صلاحياته المحدودة بصفته رئيسًا غير منتخب، ولمتطلب وجود برلمان منتخب، فضلًا عن ارتدادات الإقدام على تلك الخطوة شعبيًّا، ومخاوف فقدانه المصداقية والدعم الشعبي المنشود.
  6. تحدي موافقة الحكومة السورية على عقد اتفاق مع الحكومة الإسرائيلية لا يضمن انتشارًا للجيش السوري في جنوب سوريا؛ لأنه سيؤدي إلى تداعي سيطرتها وضعف بسط سيادة الدولة على كامل الأراضي السورية، ويفتح المجال أمام قوى محلية تسيطر على مناطق جغرافية للإبقاء عليها تحت إدارتها، مثل: قوات “قسد”.
  7. العامل الإيراني والروسي: رغم محاولات تقليصه، لا تزال إيران تملك نفوذًا عسكريًّا وأمنيًّا في أجزاء من سوريا. أما روسيا، فلم تبدِ موقفًا واضحًا تجاه التطبيع السوري – الإسرائيلي، ما قد يجعلها عامل عرقلة أو مساومة.

وفي المحصلة: لن تنتهي أزمة “السويداء” قريبًا، وكلما طال أمد واقعها الأمني الخاص، بمسعى إسرائيلي محموم، فإنه قد يُكرِّس واقعًا سياسيًّا خاصًا، سيفرض نفسه على مفاوضات الحكومة السورية مع “قسد”، رغم تعثُّرها.

وما لم تُسارع الدولة إلى اتخاذ إجراءات علاجية حاسمة لاحتواء الانشطار المجتمعي وسدِّ منافذ التدخلات الخارجية، في إطار مشروع وطني جامع، فإن الباب سيبقى مفتوحًا أمام مشهد مضطرب يهدِّد وحدة سوريا وهويتها الوطنية.

ShareTweetSendShare

أخبار أخرى

كتاب وأراء

لماذا يفوز الأردن ؟!

الأربعاء, 17 ديسمبر 2025, 12:13
كتاب وأراء

كيف نقرأ مراجعة حسابات الناتج المحلي؟

الأربعاء, 17 ديسمبر 2025, 12:10
كتاب وأراء

يزن النعيمات والتحديث السياسي

الأربعاء, 17 ديسمبر 2025, 12:03
كتاب وأراء

لنتعلم من منتخب النشامى

الأربعاء, 17 ديسمبر 2025, 11:51
كتاب وأراء

فرصة جيو-اقتصادية لا تحتمل التأجيل!

الأربعاء, 17 ديسمبر 2025, 11:57
كتاب وأراء

دفاتر السردية الأردنية – ذاكرة وطن ومشروع دولة

الأربعاء, 17 ديسمبر 2025, 11:53
  • سياسة الخصوصية
  • من نحن
  • اعلن لدينا
  • اتصل بنا

© 2023 جميع الحقوق محفوظة لصحيفة صدى الشعب الاردنية اليومية

No Result
View All Result
  • الرئيسية
  • محليات
  • عربي دولي
  • جامعات
  • اقتصاد
  • الرياضة
  • تكنولوجيا
  • أخبار الفن
  • صحة و جمال
  • وظائف
  • تلفزيون صدى الشعب
  • عدد اليوم
    • الصفحات الكاملة لصحيفة صدى الشعب PDF

© 2023 جميع الحقوق محفوظة لصحيفة صدى الشعب الاردنية اليومية