صدى الشعب – راكان الخريشا
في تصعيد خطير يمس مكانة القانون الدولي ويستهدف الوجود الأممي في مدينة القدس، أثار اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي لمقر وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) موجة إدانات واسعة، وسط تحذيرات من تداعياته السياسية والإنسانية على قضية اللاجئين والمدينة المقدسة، وفي هذا السياق، أكد أمين عام اللجنة الملكية لشؤون القدس، عبدالله توفيق كنعان، إن ما جرى يشكل اعتداءً صارخاً على الشرعية الدولية وتحدياً سافراً للمنظومة الأممية ومكانتها، محذراً من أن استهداف الأونروا يأتي ضمن سياسة ممنهجة لتقويض دورها وإنهاء وجودها في القدس.
وقال كنعان العمليات التي نفذتها قوات الاحتلال ضد مقر الأونروا، وما رافقها من اقتحام واستيلاء واعتداء مباشر على حرمة المنشآت التابعة للأمم المتحدة، تمثل خرقاً واضحاً للقانون الدولي ولقرارات الشرعية الدولية، وتشكل سابقة خطيرة في التعامل مع المؤسسات الأممية العاملة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولا سيما في القدس التي تخضع لوضع قانوني خاص بموجب قرارات دولية واضحة.
وأوضح أن استهداف مقر الأونروا لا يمكن عزله عن محاولات الاحتلال المتواصلة لدفع الوكالة خارج المدينة، في إطار مساعٍ تهدف إلى إنهاء خدماتها وتقليص حضورها، وصولاً إلى تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين، التي ما تزال تمثل أحد أعمدة الصراع وجوهر الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني منذ نكبة عام 1948.
وأضاف كنعان أن الذرائع التي ساقتها سلطات الاحتلال لتبرير هذا الاقتحام تفتقر لأي أساس قانوني أو إنساني، وتندرج ضمن سياسة ممنهجة تستهدف المؤسسات الدولية العاملة في القدس، في سياق خطوات أحادية يسعى الاحتلال من خلالها إلى فرض وقائع جديدة على الأرض، في مخالفة صريحة للقوانين والاتفاقيات الدولية التي تحظر المساس بعمل مؤسسات الأمم المتحدة أو عرقلتها.
وشدد على أن الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، تشكل صمام أمان وحاجزاً متيناً في وجه محاولات تغيير الواقع التاريخي والقانوني للمدينة، مؤكداً أن أي اعتداء على المؤسسات الدولية العاملة في القدس يمس بشكل مباشر الدور الإنساني والقانوني الذي تقوم به الأونروا في حماية حقوق اللاجئين الفلسطينيين وتقديم الخدمات الأساسية لهم، خاصة في مجالات التعليم والصحة والإغاثة.
وأشار كنعان إلى أن حكومة الاحتلال تواصل خطوات متسارعة لتقويض ولاية الأونروا وإنهاء عملها، نظراً لدورها المحوري في حماية حقوق اللاجئين وتجسيد الالتزام الدولي تجاههم وفق القرار الأممي رقم (194)، ولفت إلى أن هذه السياسة تتزامن مع حرب مفتوحة تشنها سلطات الاحتلال ضد موظفي الوكالة ومقراتها، لا سيما في قطاع غزة، حيث أسفرت الاعتداءات عن استشهاد أكثر من 360 موظفاً وتدمير ما يزيد على 260 منشأة بين تدمير كلي وجزئي، إضافة إلى منع تزويد مرافق الوكالة بالمياه والكهرباء.
وبيّن أن هذا الاعتداء يخالف قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة المتعلقة بحصانة المنظمات الدولية، بما فيها قرار تأسيس الأونروا رقم (302) والمادة (17)، إلى جانب اتفاقية عام 1946 بشأن امتيازات وحصانات الأمم المتحدة، فضلاً عن قرار مجلس الأمن رقم (2730) الصادر في 24 أيار/مايو 2024، الذي يلزم الدول باحترام وحماية مؤسسات الأمم المتحدة والعاملين في المجال الإنساني، كما يتعارض مع رأي محكمة العدل الدولية الصادر في تموز/يوليو 2024، الذي أكد عدم وجود سيادة لإسرائيل على الأرض الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس، ومع الرأي الاستشاري الصادر في تشرين الثاني/أكتوبر 2025، والذي شدد على ضرورة احترام حصانة الأونروا والتعاون معها بصفتها وكالة أممية.
واعتبر كنعان أن ما جرى ليس حادثاً عابراً أو معزولاً، بل حلقة خطيرة في سلسلة طويلة من الانتهاكات التي تتعرض لها القدس ومؤسساتها، ومحاولة واضحة لفرض هيمنة الاحتلال على كل ما هو فلسطيني ودولي داخل المدينة، في انتهاك فاضح للإجماع الدولي الذي جدد تفويض الأونروا لثلاث سنوات إضافية.
وطالب كنعان المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومجلس الأمن بتحمل مسؤولياتهم القانونية والأخلاقية، واتخاذ إجراءات عملية وفورية لوقف هذه الاعتداءات، وضمان قدرة الأونروا على مواصلة عملها الإنساني دون عوائق أو تهديدات، باعتبارها ركناً أساسياً في حماية حقوق اللاجئين الفلسطينيين والحفاظ على الحد الأدنى من الاستقرار الإنساني في المنطقة.
وأكد كنعان على أن القدس ليست قضية موسمية أو ملفاً سياسياً عابراً، بل جرحاً مفتوحاً في ضمير العالم، محذراً من أن صمت المجتمع الدولي يشجع الاحتلال على التمادي في انتهاكاته، في حين أن موقفاً واضحاً وكلمة مسؤولة قادرة على إحداث فرق حقيقي في حماية المدينة المقدسة ومؤسساتها وحقوق شعبها.
