صدى الشعب – سليمان أبو خرمة
قال الخبير التربوي فيصل تايه إن التقدم الملحوظ الذي حققه الأردن على مؤشر المعرفة العالمي لعام 2025، وانتقاله إلى المرتبة 73 من أصل 195 دولة بعد أن كان في المرتبتين 88 و97 في العامين السابقين، لا يمثل مجرد قفزة رقمية، بل يعكس إنجازًا حقيقيًا يرتبط بإرادة الدولة ورؤيتها بعيدة المدى.
وأكد تايه خلال حديثه لـ”صدى الشعب” أن هذا التحسن دليل على أن المسار الإصلاحي الذي تتبناه المؤسسات لم يعد مجرد حبر على ورق، بل أصبح جزءًا من البنية المؤسسية التي تدفع الأردن بثقة نحو اقتصاد يرتكز على المعرفة والابتكار في عملية الإنتاج والتنمية.
وأوضح أن تقرير مؤشر المعرفة، الصادر سنويًا عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالتعاون مع مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، يُعد أداة مرجعية دولية مهمة لقياس مستوى المعرفة، إذ يتجاوز رصد البيانات ليقدم رؤى قائمة على الأدلة تساعد في توجيه السياسات وصياغة مسارات العمل.
تحسن لا يقتصر على الأرقام بل ينعكس على ممارسات التعليم
وبيّن أن هذا المنهج يتيح لصانعي القرار تقييم الأداء الوطني مقارنة بالدول الأخرى، ويسهم بشكل مباشر في دعم جهود التحديث والتنمية المعرفية في الأردن، انسجامًا مع رؤية التحديث 2033، بما يغذي العمل في مجالات التعليم والبحث والابتكار والاقتصاد الرقمي والبنية التمكينية.
وأشار إلى أن قراءة هذا التحسن من زاوية أثره داخل الغرفة الصفية تكشف أن الارتفاع في ترتيب الأردن لا يمثل تحسنًا رقميًا مجردًا، وإنما يعكس جهودًا ملموسة بدأت تتجسد تدريجيًا في ممارسات التعليم وفي جزء من مهارات الطلبة الأساسية، رغم بقاء الطريق طويلًا لتحقيق التحول العميق المطلوب.
وأوضح أن هناك إشارات واضحة على تطور بعض ممارسات التدريس وتعزيز التكنولوجيا وتحسين بيئة التعلم، مشدداً على الحاجة إلى توسعة هذه الجهود وانتشارها لضمان انعكاسها الكامل على مخرجات التعلم الأساسية مثل القراءة والرياضيات والمهارات التحليلية.
وأكد أن إرادة التغيير تبدو جلية في مسار الإصلاح التربوي، بوصفه قلب أي مشروع نهضوي، مضيفاً إن التعليم لم يعد مقتصرًا على نقل المعلومات، بل أصبح محركًا للإبداع والتفكير النقدي، إذ يحصل الطالب اليوم على أدوات التحليل والابتكار التي تتطلبها المرحلة المعرفية الجديدة.
وأضاف أن تقرير المؤشر العالمي أسهم في توجيه السياسات التعليمية وتحديث المناهج وتركيزها على المهارات، وتنويع التخصصات، وتطوير أساليب التدريس، وتوظيف التكنولوجيا ووسائل الذكاء الاصطناعي، إلى جانب تدريب المعلمين وتعزيز أدوات التقييم، وهي خطوات شكلت جزءًا من الإجراءات التي دعمت تحسين ترتيب الأردن خلال السنوات الثلاث الماضية.
طفرة رقمية واسعة مع فجوات بحاجة إلى معالجة
وبيّن أن أثر الإصلاح يظهر أيضًا في التعليم التقني والمهني، الذي أصبح خيارًا استراتيجيًا موازيًا للتعليم الأكاديمي، لارتباط بناء الاقتصاد المعرفي بوجود كفاءات قادرة على ردم الفجوة بين التعليم واحتياجات سوق العمل.
وأضاف أنه يمكن ملاحظة تقدم مؤسسات التعليم التقني بثقة، بما يمكّن الشباب من اكتساب المهارات العملية اللازمة ليصبحوا قوة إنتاجية قادرة على تحويل المعرفة إلى حلول وفرص اقتصادية مبتكرة تساهم في التنمية الوطنية.
ولفت إلى أن البنية التحتية الرقمية شهدت كذلك طفرة كبيرة في المدارس والجامعات، حيث أصبحت التكنولوجيا التعليمية جزءًا أصيلًا من العملية التعليمية، مما خلق بيئة تفاعلية غنية جعلت الطالب الأردني مشاركًا فاعلًا في الفضاء الرقمي العالمي، قادرًا على اكتشاف المعرفة وصقل مهاراته المستقبلية.
وأوضح أن هذا التطور انعكس على تقدم الأردن في المؤشرات العالمية، رغم استمرار وجود فجوات تتطلب معالجة، مثل ضعف البنية الرقمية في بعض المناطق، وتفاوت الفرص التعليمية بين المحافظات، والحاجة إلى دعم أكبر في التدريب وتطوير الممارسات الصفية اليومية.
وأشار إلى أن التعليم الجامعي استفاد أيضًا من نتائج المؤشر، إذ مكنّ الجامعات من تبني استراتيجيات تعليمية مبتكرة وتطوير برامج دراسات أكاديمية تتوافق مع احتياجات سوق العمل، وتعزيز البرامج باستخدام أحدث التقنيات ومنهجيات التعلم النشط، بما يسهم في رفع جاهزية الخريجين وتعزيز قدرة الجامعات على المنافسة عالميًا.
الحفاظ على الإنجاز يتطلب إصلاحاً مستمراً واستثماراً في الإنسان
ولفت إلى أن المؤشر يعكس جانبًا من الواقع وليس كله، مشيرًا إلى أن جودة البحث العلمي والتمويل والابتكار وقابلية التوظيف ما تزال مجالات بحاجة إلى دفعات أقوى للارتقاء نحو الصورة المثالية المنشودة.
وأضاف أن البحث العلمي بدأ يشق طريقه نحو التحول من نشاط أكاديمي محدود إلى قوة إنتاجية حقيقية، مع زيادة الشراكات بين الجامعات والقطاع الخاص، وتنامي دعم مبادرات ريادة الأعمال، ما جعل المعرفة تتحول إلى قيمة اقتصادية ملموسة، وأسهم في تعزيز حضور الأردن على خريطة الابتكار إقليميًا ودوليًا.
وأكد أن مسؤولية مضاعفة تقع على عاتق المؤسسات لضمان وصول مكاسب هذا التقدم إلى جميع مناطق المملكة ومعالجة الفجوات المتبقية في البنية التعليمية والرقمية.
وبين أن الحفاظ على هذا الإنجاز يتطلب استمرارية في الإصلاح واستثمارًا مستدامًا في الإنسان الأردني بوصفه محور مشروع الدولة المعرفي، مشيرًا إلى أهمية تبني سياسات استباقية لتعزيز المعرفة، وتطوير منظومة التدريب والتعليم المهني، ورفع كفاءة المعلمين، وتحسين الحوكمة التعليمية، والتوسع في البنية الرقمية، وتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص لضمان استدامة التقدم وعدم اقتصاره على تحديث البيانات.
وأكد على إن الأردن خطا خطوة واسعة نحو تأسيس دولة المعرفة، مؤكدًا أن الاستثمار في العقل هو الاستثمار الأكثر أمانًا وأهمية، وأن ما تحقق اليوم يمثل رسالة واضحة بأن الأردن، ماضٍ بثبات نحو مستقبل قائم على الإبداع والتكنولوجيا ورأس المال البشري، قادر على تحويل الطموحات إلى واقع، والواقع إلى نموذج يُحتذى به على مستوى المنطقة.
