صدى الشعب- كتب عمادعبدالقادر عمرو
وصلت مديونية البلديات في الأردن إلى نحو 600 مليون دينار، وهو رقم يطرح تساؤلات جوهرية حول إدارة البلديات والقدرة على تقديم الخدمات الأساسية دون إلحاق أعباء إضافية على المواطنين.
تحليل هذه الظاهرة يظهر أنها نتاج تراكم عوامل متعددة، تبدأ من ضعف هيكل الإيرادات واعتماد البلديات على الرسوم المحلية المتذبذبة، مرورًا بضعف تحصيل المستحقات، وصولًا إلى التوظيف غير المنظم والإنفاق غير المدروس، إضافة إلى تنفيذ مشاريع غير مدروسة اقتصادياً واستدانة لسد الثغرات، وانتهاءً بإطار رقابي غير صارم.
تتجلى آثار هذه المديونية بشكل واضح في تدهور جودة الخدمات، وتأخير المشاريع التنموية، والضغط على الميزانية العامة من خلال دعم البلديات المتعثرة، بالإضافة إلى انعكاسات اجتماعية تشمل فقدان وظائف وارتفاع الرسوم على المواطنين، ما يؤدي إلى تراجع الثقة في المؤسسات المحلية.
في هذا السياق، برزت فكرة الخصخصة كأداة لإصلاح الوضع، لكنها ليست حلاً بحد ذاته. الخصخصة يمكن أن تشمل تعهيد بعض الخدمات مثل جمع النفايات أو إنارة الشوارع، أو شراكات بين القطاعين العام والخاص لإدارة المرافق، أو الاستثمار المباشر في أصول البلديات.
إلا أن نجاح هذه الاستراتيجية يتطلب دراسات جدوى شفافة، عقوداً تحمي المصلحة العامة، وإشرافاً رقابياً صارماً، بينما يمكن أن تؤدي إلى مخاطر إذا فقدت البلديات السيطرة على الخدمات الأساسية أو ارتفعت الرسوم دون حماية اجتماعية.
الحلول الواقعية تحتاج إلى تقسيمها إلى مدى قصير، متوسط، وطويل. على المدى القصير، يمكن تنفيذ جرد مالي شامل، ترتيب أولويات السداد، وتحسين تحصيل الإيرادات باستخدام التكنولوجيا، إلى جانب تعليق المشاريع غير الضرورية مؤقتًا. أما المدى المتوسط، فيتطلب إصلاح نظم الإيرادات، هيكلة الديون، تطبيق برامج تعهيد محددة مع مؤشرات أداء، وإنشاء وحدات استثمارية داخل البلديات.
وعلى المدى الطويل، يجب تنفيذ إصلاح قانوني شامل، دمج البلديات الصغيرة، بناء سوق استثماري محلي مستدام، وتطبيق نظام رقمي موحد للفوترة والمراقبة، إلى جانب إنشاء صندوق وطني لدعم إعادة الهيكلة وتمويل المشاريع الاستثمارية.
كما ينبغي مراعاة الحماية الاجتماعية أثناء الإصلاح، عبر دعم الفئات المتضررة، وضع سياسات تسعير عادلة، وإشراك المجتمع المدني في الحوار حول الخصخصة والتعهيد، مع خطة إعلامية واضحة لتعزيز الشفافية وبناء الثقة.
نجاح هذه الخطة يرتبط بوجود مؤشرات أداء محددة تشمل نسبة تحصيل الإيرادات، تراجع صافي الديون، رضا المواطنين، عدد العقود المعاد هيكلتها، قيمة الاستثمارات المحلية، ودرجة الالتزام بخدمات الأداء بعد التعهيد.
إن الوصول إلى هذه المديونية ليس مصادفة، بل نتيجة تراكمات إدارية ومالية استمرت لعقود.
ومع ذلك، يمكن للبلديات أن تعود لتكون مؤسسات قادرة على تقديم خدماتها بكفاءة واستدامة، إذا ما تم الجمع بين الشفافية، الإصلاح المؤسسي، الابتكار المالي، وضمان الحماية الاجتماعية للمواطنين والعاملين في القطاع المحلي.
الإصلاح الحقيقي ليس قرارًا تقنيًا وحيدًا، بل استراتيجية وطنية متكاملة تتطلب قيادة جريئة وتعاون الجميع لإعادة بناء البلديات كأداة فعالة للتنمية المحلية، لا مجرد مؤسسات مستهلكة للموارد.
