العوران لـ”صدى الشعب”: قاعدة بيانات وطنية أساس إدارة السوق وحماية المنتج المحلي
صدى الشعب – سليمان أبو خرمة
لم تكن حالة الارتباك في الاسابيع الاخيرة بالقطاع الزراعي بسبب نقص انتاج زيت الزيتون لهذا العام حدثاً طارئاً، بل نتيجة طبيعية لتقلبات الإنتاج وتداخل المواسم بفعل التغيرات المناخية، ومع كل زيادة أو تراجع في الكميات، يعود السؤال من يدير السوق وكيف تُحمى المنتجات المحلية من الانهيار أو الاستغلال.
وفي هذا الإطار برز دور وزارة الزراعة التي حاولت موازنة احتياجات السوق مع قدرة المزارعين على الاستمرار، عبر مراقبة المعروض وتقدير الفجوات واتخاذ قرارات الاستيراد أو تقييده بالتنسيق مع الجهات المعنية.
والسوق الأردني شديد الحساسية للكميات؛ الفائض يَهبط بالأسعار، والنقص يرفعها ويربك المستهلك، ما يجعل إدارة العرض مهمة دقيقة تتطلب رقابة فعّالة ومعلومات واضحة.
ارتفاع المعروض أو شحّه يضغط مباشرة على المنتج والمستهلك
ويرى مدير عام اتحاد المزارعين الأردنيين المهندس محمود العوران إن الخطوة الأولى لإدارة السوق الزراعي وضمان حماية المنتج المحلي تبدأ بوجود قاعدة بيانات دقيقة وشاملة، تُعرّف بشكل واضح من هو المزارع في كل قطعة أرض؛ موضحًا أن الواقع الحالي يشهد تعدد الجهات التي تتداول الأرض بين المالك والمستأجر والضمين والوسيط، ما يجعل عملية تحديد المزارع الفعلي مهمة غير واضحة.
وأكد العوران خلال حديثه لـ”صدى الشعب” أن وجود قاعدة بيانات وطنية سيُمكّن الجهات الرسمية من معرفة طبيعة الإنتاج الفعلي، وبناء قراراتها على أسس واضحة.
وأوضح أن المعايير التي يجب أن تستند إليها الحكومة في فتح باب الاستيراد أو تقييده تعتمد أساسًا على هذه القاعدة البيانية، لافتًا إلى ضرورة تحديد المحاصيل التي تُصنَّف ضمن محاصيل العجز، ومعرفة ما إذا كان هناك نقص يستدعي تدخلًا تنظيميًا.
وأشار إلى أن الشراكة المؤسسية بين اتحاد المزارعين ووزارة الزراعة ووزارة الصناعة والتجارة تحدد الكميات اللازمة لتغطية احتياجات السوق لمدة لا تقل عن 30 يومًا، ليصار بعدها إلى اتخاذ قرار فتح الاستيراد أو تقييده بناءً على معادلة العرض والطلب وحماية المنتج المحلي.
وأكد أن السوق الأردني شديد التأثر بتغيّر الكميات المطروحة، مشيراً إلى إن مجرد حدوث فائض في أي صنف يؤدي إلى انخفاض الأسعار مباشرة، بينما يقود الشح إلى ارتفاعها فورًا.
وأضاف أن التغيرات المناخية ساهمت هذا العام في تداخل موسم الإنتاج، مشيراً إلى أن دخول شهر كانون الأول مع استمرار إنتاج المناطق الصحراوية، وتقاطع هذا الإنتاج مع إنتاج الأغوار، أدى إلى فائض كبير في المعروض، ما دفع المزارعين إلى الاستغاثة نتيجة الانخفاض الحاد في الأسعار.
تشريعات أسواق الجملة لم تعد صالحة ومطالبة بتفعيل دورها الرقابي
وفيما يتعلق بالأدوات الرقابية والتنظيمية، قال إن دور أسواق الجملة المركزية يجب أن يتجاوز إعلان الأسعار والكميات الواردة، لتكون في تفاعل مباشر مع الجهات الرقابية.
وبيّن أن التشريعات الناظمة لعملية التسويق الزراعي وعلى رأسها قانون أسواق الجملة المركزية تحتاج إلى إعادة نظر شاملة، موضحًا أن النظام الحالي للبيع بالصناديق لا ينسجم مع حقيقة أن امانة عمان والبلديات تتقاضى الرسوم بالوزن، وبالتالي يجب أن يبدأ البيع بالوزن وليس بالصناديق.
وأشار إلى أن آلية المزاد يجب أن تبدأ من سعر الكلفة المدروس بالاستناد إلى خبراء مختصين، إضافة إلى تطوير نظام العبوات بحيث يتم اعتماد العبوة الحقلية المرتجعة عبر بنك عبوات، الأمر الذي يخفف الكلفة عن المنتج والمزارع والمستهلك معًا، ويمنع تكرار شراء الصناديق في كل موسم.
وأكد على ضرورة وجود سياسات استباقية لتجنّب تحوّل التذبذبات الموسمية إلى أزمات، مشيراً إلى أن الأردن يعيش آثار التغيرات المناخية بشكل واضح، كما ظهر في موسم الزيت والزيتون نتيجة الجفاف وضعف هطول الأمطار وارتفاع درجات الحرارة.
وقال إن الحل يكمن في تعزيز مشاريع الحصاد المائي في مختلف المحافظات، وعدم الاكتفاء بالسدود الموجودة حاليًا، إضافة إلى التوسع في الريّ التكميلي لدعم الإنتاج وتقليل الخسائر.
وأشار إلى أن تراجع إنتاج الزيتون دفع نحو الاستيراد، ما يعني خسارة عملة صعبة ويؤثر على قطاع المعاصر الذي يعتمد على الأيدي العاملة، حيث تحتاج كل معصرة إلى نحو عشرين عاملاً في الظروف الطبيعية، بينما تعمل اليوم بنصف القدرة التشغيلية، ما يترك أثرًا مباشرًا على الاقتصاد الوطني.
وأكد على أن إدارة السوق وحماية المنتج المحلي مسؤولية ليست مقتصرة على وزارة الزراعة وحدها، بل تتطلب تضافر جهود جميع مؤسسات الحكومة لضمان استقرار القطاع الزراعي وتعزيز دوره في الأمن الغذائي الوطني.






