صدى الشعب – راكان الخريشا
في وقت تتسارع فيه وتيرة التوسع العمراني وتزداد معه الضغوط على البنية التحتية في مختلف محافظات المملكة، يعود ملف الصرف الصحي إلى الواجهة بوصفه أحد أكثر القطاعات التحديا وحاجة للتطوير، ورغم ما حققه الأردن من تقدّم لافت في توسيع نطاق الخدمة، لتصل إلى واحدة من أعلى نسب التغطية في المنطقة، إلا أن التحديات المالية والفنية الناجمة عن الانتشار العمراني العشوائي وارتفاع كلف التنفيذ ما تزال تشكل عقبة أمام إيصال الخدمة لجميع المناطق، وبينما ترتفع تساؤلات المواطنين حول العدالة في التحصيل، وآليات التوسع، ودور القطاع الخاص والجهات المانحة، تكشف وزارة المياه والري عن واقع القطاع، وخططه، وأولوياته، والمسار الزمني للوصول إلى نسبة تغطية أكبر بحلول عام 2040.
وفي هذا السياق قال الناطق الإعلامي بأسم وزارة المياه والري، عمر سلامة، إن قطاع الصرف الصحي في الأردن يمر بمرحلة حساسة تتطلب المزيد من العمل والتخطيط، في ظل التحديات المتزايدة التي يشهدها نتيجة التوسع العمراني غير المنظم والاتساع السكاني الأفقي الذي يتنامى بوتيرة متسارعة في مختلف مناطق المملكة، وأوضحت الوزارة أن هذا التمدد العمراني، الذي يفوق قدرة البنى التحتية الحالية، يفرض أعباءً كبيرة على شبكات الصرف الصحي القائمة التي صُممت لخدمة نطاقات حضرية محددة، ما يستدعي استثمارات ضخمة لتطويرها وتوسيعها.
ورغم هذه التحديات، شدد سلامة الأردن تمكن خلال السنوات الماضية، من تحقيق واحدة من أفضل نسب التغطية بشبكات الصرف الصحي في المنطقة العربية، حيث تبلغ النسبة الحالية 68% من إجمالي مناطق المملكة، وأكد أن هذا الإنجاز يُعد محطة مهمة ضمن مسار طويل تسعى من خلاله الوزارة إلى الوصول إلى 80% بحلول عام 2040، وفق خطة استراتيجية واضحة تعتمد على أولويات فنية وبيئية واقتصادية، وتستند إلى دراسات متخصصة تنفذها الجهات المختصة داخل الوزارة بالتعاون مع مؤسسات دولية مانحة.
وفيما يتعلق بالجانب المالي، أوضح سلامة أن خدمة الصرف الصحي لا يُحصّل مقابلها أي رسوم من المناطق غير المخدومة، مؤكد أن الضريبة المدرجة ضمن ضريبة المسقفات هي ضريبة مالية تُحوّل بالكامل إلى وزارة المالية، ولا ترتبط نهائيًا ببدل خدمة الصرف الصحي، وهو ما يضمن العدالة والشفافية في آلية التحصيل.
وأشار سلامة الوزارة تعمل على تأمين التمويل اللازم لمشاريع الصرف الصحي من خلال قنوات متعددة، تشمل الشراكة مع القطاع الخاص، والمنح الدولية، والقروض المُيسّرة، مؤكدة أن مشاريع الصرف الصحي تستحوذ على نسبة كبيرة من حجم التمويل الموجه لقطاع المياه بشكل عام، وأضاف سلامة هناك مفاوضات متواصلة مع الجهات التمويلية لتوفير الدعم اللازم للمناطق الأكثر حاجة، وخاصة المناطق التي شهدت انتشارًا عمرانيًا كبيرًا دون أن تتوفر فيها شبكات الصرف الصحي.
وبيّن سلامة أن عملية التخطيط والتمويل والتنفيذ تتم وفق منهجيات علمية ودراسات فنية متقدمة تأخذ بعين الاعتبار عدد السكان، والكثافة العمرانية، وطبيعة التربة، والانحدار، وتكلفة الربط، وجدوى الخدمة على المدى الطويل، وأكد سلامة أن معظم المناطق غير المخدومة مدروسة مسبقًا وموجودة ضمن خطط التوسعة، وأن تنفيذها مرهون بتأمين التمويل والتسلسل المنطقي لأولويات الخدمة.
وفي رده على الأسئلة المثارة حول أبرز التحديات، أشار سلامة إلى أن التوسع العمراني غير المنظم هو التحدي الأكبر، إلى جانب ارتفاع كلف إنشاء شبكات الصرف الصحي التي تُعد من أعلى كلف البنى التحتية مقارنة بالخدمات الأخرى، كما أن بعض المناطق تحتاج إلى محطات رفع أو خطوط ناقلة طويلة مكلفة جدًا، ما يزيد من صعوبة التنفيذ في وقت قصير.
أما بخصوص المراجعة المحتملة لآلية التحصيل، فأوضح سلامة أن العدالة بين المواطنين من المبادئ الأساسية في سياساتها، وأن أي تعديل يُدرس بعناية لضمان عدم فرض أي أعباء على مناطق لا تستفيد من الخدمة، مع الالتزام الكامل بعدم استيفاء أي رسوم إلا عند تقديم خدمة فعلية.
وفي سياق الشراكات، أكد سلامة وجود تعاون واسع مع القطاع الخاص في تنفيذ وتشغيل مشاريع الصرف الصحي، إضافة إلى تعاون وثيق مع جهات مانحة دولية تعمل على دعم المشاريع الحيوية في المحافظات النائية والمجتمعات التي تحتاج إلى تطوير خدمات البنية التحتية.
وحول التساؤلات المتعلقة بالمناطق السكنية القريبة من محطة الخربة السمراء، أوضح سلامة أن قرب الموقع الجغرافي من المحطة لا يعني بالضرورة توافر شبكة جاهزة للربط، مشيراً إلى أن عملية الربط تحتاج إلى خطوط ناقلة وبنى تحتية متكاملة ترتبط بخطوط التصميم الأصلية للمحطة، وبين سلامة بعض هذه المناطق غير المشمولة ما زالت بحاجة إلى مشاريع توسعة تُدرج ضمن الخطط المستقبلية، وأن تنفيذها يتطلب تمويلًا عاليًا يجري العمل على توفيره وفق الأولويات المتفق عليها.
وختم سلامة بالتأكيد على أن هدف الوزارة الرئيسي يبقى توفير خدمة صرف صحي آمنة ومستدامة لجميع المواطنين قدر الإمكان، وأنها ماضية في تنفيذ خططها المرحلية والاستراتيجية للوصول إلى نسبة التغطية المستهدفة بحلول عام 2040، مع الحفاظ على أعلى المعايير التشغيلية وضمان استدامة الموارد البيئية والصحية.
